وأصل مادّة ﴿ سخر ﴾ مؤذن بأنّ الفاعل اتّخذ المفعول مسخّراً يتصرف فيه كيف شاء بدون حرمة لشدّة قرب مادّة ﴿ سخر ﴾ المخفّف من مادّة التسخير، أي التطويع فكأنّه حوّله عن حقّ الحرمة الذاتية فاتّخذ منه لنفسه سخرية.
وفعل ﴿ حاق ﴾ اختلف أئمَّة اللغة في معناه.
فقال الزجّاج : هو بمعنى أحاط، وتبعه الزمخشري، وفسّره الفرّاء بمعنى عاد عليه.
وقال الراغب : أصله حقّ، أي بمعنى وجب، فأبدل أحد حرفي التضعيف حرف علّة تخفيفاً، كما قالوا تظنّي في تظنّن، أي وكما قالوا : تقضّى البازي، بمعنى تقضّض.
والأظهر ما قاله أبو إسحاق الزجّاج.
واختير فعل الإحاطة للدلالة على تمكّن ذلك منهم وعدم إفلاته أحداً منهم.
وإنّما جيء بالموصول في قوله :﴿ بالذين سخروا ﴾ ولم يقل بالساخرين للإيماء إلى تعليل الحكم، وهو قوله ﴿ فحاق ﴾.
و﴿ منهم ﴾ يتعلّق بـ ﴿ سخروا ﴾، والضمير المجرور عائد إلى الرسل، لزيادة تقرير كون العقاب لأجلهم ترفيعاً لشأنهم.
و﴿ ما ﴾ في قوله :﴿ ما كانوا به يستهزئون ﴾ موصولة.
والباء في ﴿ به ﴾ لتعدية فعل الاستهزاء.
ووجود الباء مانع من جعل ﴿ ما ﴾ غير موصولة.
وهو ما أطال التردّد فيه الكاتبون.
والمراد بـ ﴿ ما كانوا به يستهزئون ﴾ ما أنذرهم الرسل به من سوء العاقبة وحلول العذاب بهم، فحصل بذلك فائدة أخرى، وهي أنّ المستهزئين كانوا يستهزئون بالرسل وخاصّة بما ينذرونهم به من حلول العذاب إن استمّروا على عدم التصديق بما جاءوا به.
فاستهزاؤهم بما أنذروا به جعل ما أنذروا به كالشخص المهزوء به إذا جعلنا الباء للتعدية، أو استهزاؤهم بالرسل بسبب ما أنذروهم به إذا جعلت الباء للسببية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon