وتعقب بأن هذا وإن تراءى في بادىء النظر لكنه غير وارد إذ ذاك غير أجنبي لأن المراد خذلانهم وتخليتهم وشأنهم من الإعراض عن الحق بالتشاغل بأمر دنياهم كقوله تعالى :﴿ وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾ [ العنكبوت : ٦٦ ].
وهذا حاصل ما قيل : إن الكلام مجاز عن الخذلان والتخلية وإن ذلك الأمر متسخط إلى الغاية كما تقول لمن عزم على أمر مؤد إلى ضرر عظيم فبالغت في نصحه ولم ينجع فيه أنت وشأنك وافعل ما شئت فإنك لا تريد بذلك حقيقة الأمر كيف والآمر بالشيء مريد له وأنت شديد الكراهة متحسر ولكنك كأنك قلت له : إذ قد أبيت النصح فأنت أهل لأن يقال لك : افعل ما شئت.
ولا يخفى أن انفهام ذلك من الآية في غاية البعد.
وفرق الزمخشري بين هذه الآية وقوله تعالى في سورة النمل :[ ٦٩ ] ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فَاْنظُرُواْ ﴾ بحمل الأمر بالسير هنا على الإباحة المذكورة آنفاً، وحمل الأمر به هناك على السير لأجل النظر.
ولهذا كان العطف بالفاء في تلك الآية.
ونظر فيه بعضهم بغير ما أشرنا إليه أيضاً.
وذكر أن التحقيق أنه سبحانه قال هنا :﴿ ثُمَّ انظروا ﴾ وفي غير ما موضع ﴿ فانظروا ﴾ [ آل عمران : ١٣٧، النمل : ٣٦، العنكبوت : ٢٠، الروم : ٤٢ ] لأن المقام هنا يقتضي ثم دونه في هاتيك المواضع وذلك لتقدم قوله تعالى فيما نحن فيه ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهم فِى الأرض ﴾ مع قوله سبحانه وتعالى :﴿ وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين ﴾ [ الأنعام : ٦ ] والأول يدل على أن الهالكين طوائف كثيرة.
والثاني يدل على أن المنشأ بعدهم أيضاً كثيرون فيكون أمرهم بالسير دعاء لهم إلى العلم بذلك فيكون المراد به استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد على كثرتها ليروا الآثار في ديار بعد ديار وهذا مما يحتاج إلى زمان ومدة طويلة تمنع من التعقيب الذي تقتضيه الفاء ولا كذلك في المواضع الآخر اه، ولا يخلو عن دغدغة.