وجوز أيضاً كونها سببية على معنى أن ما بعدها سبب لما قبلها فقد قال الرضي : وقد تكون فاء السببية بمعنى لام السببية وذلك إذا كان ما بعدها سبباً لما قبلها نحو قوله تعالى :﴿ فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾ [ الحجر : ٣٤، ص : ٧٧ ] وأطلق عليها الكثير حينئذ الفاء التعليلية.
وهل تفيد الترتيب حينئذ أم لا؟ لم يصرح الرضي بشيء من ذلك، ويفهم كلام البعض أنها للترتيب والتعقيب أيضاً.
واستشكل بأن السبب متقدم على المسبب لا متعقب إياه.
وتكلف صاحب "التوضيح" لتوجيه بأن ما بعد الفاء علة باعتبار معلول باعتبار ودخول الفاء عليه باعتبار المعلولية لا باعتبار العلية.
ورد بأنها لا تتأتى في كل محل، وفي "التلويح" الأقرب ما ذكره القوم من أنها إنما تدخل على العلل باعتبار أنها تدوم فتتراخى عن ابتداء الحكم، وفي "شرح المفتاح الشريفي" فإن قلت : كيف يتصور ترتب السبب على المسبب؟ قلت : من حيث إن ذكر المسبب يقتضي ذكر السبب انتهى.
وعليه يظهر وجه الترتيب هنا مطلقاً لكن ظاهر كلام النحاة وغيرهم أن هذه الفاء تختص بالوقوع بعد الأمر كأكرم زيداً فإنه أبوك، واعبد الله فإن العبادة حق إلى غير ذلك فالوجه الأول أولى.
وليست الفاء فصيحة كما توهمه بعضهم من قول العلامة البيضاوي في بيان معنى الآية كأنه قيل : لما كانوا معرضين عن الآيات كلها كذبوا بالقرآن لأن الفاء الفصيحة لا تقدر جواب لما لأن جوابها الماضي لا يقترن بالفاء على الفصيح فكيف يقدر للفاء ما يقتضي عدمها فما مراد العلامة إلا بيان حاصل المعنى ولذا أسقط الفاء نعم قيل : إن هذا المعنى مما ينبغي تنزيه التنزيل عنه وفيه تأمل.
وقد صرح بعض المحققين أن أمر الترتيب يجري في الآية سواء كانت الآية بمعنى الدليل أو المعجزة أو الآية القرآنية لتغاير الإعراض والتكذيب فيها.


الصفحة التالية
Icon