وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ كم أهلكنا من قبلهم من قرن ﴾
القرن : اسم أهل كل عصر.
وسمُّوا بذلك، لاقترانهم في الوجود، وللمفسرين في المراد بالقرن سبعة أقوال.
أحدها : أنه أربعون سنة، ذكره ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني : ثمانون سنة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث : مائة سنة، قاله عبد الله بن بشر المازني، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
والرابع : مائة وعشرون سنة، قاله زُرارة بن أوفى، وإياس بن معاوية.
والخامس : عشرون سنة، حكاه الحسن البصري.
والسادس : سبعون سنة، ذكره الفراء.
والسابع : أن القرن : أهل كل مدة كان فيها نبيٌّ، أو طبقة من العلماء، قلَّتِ السِّنون، أو كثرت، بدليل قوله ﷺ :" "خيركم قرني" يعني : أصحابي "ثم الذين يلونهم" يعني : التابعين "ثم الذين يلونهم" " يعني : الذين أخذوا عن التابعين، فالقرن : مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان، فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم، واشتقاق القرن : من الاقتران.
وفي معنى ذلك الاقتران قولان.
أحدهما : أنه سمي قرنا، لأنه المقدار الذي هو أكثر ما يقترن فيه أهل ذلك الزمان في بقائهم، هذا اختيار الزجاج.
والثاني : أنه سمي قرناً، لأنه يَقْرِنُ زماناً بزمانٍ، وأُمَّةً بأمَّةٍ، قاله ابن الأنباري، وحكى ابن قتيبة عن أبي عبيدة قال : يرون أن أقل ما بين القرنين : ثلاثون سنة.
قوله تعالى :﴿ مكناهم في الأرض ﴾ قال ابن عباس : أعطيناهم ما لم نُعطِكم.
يقال : مكَّنتُه ومكَّنتُ له : إذا أقدرته على الشيء باعطاء ما يصح به الفعل من العدة.
وفي هذه الآية رجوع من الخبر إلى الخطاب.
فأما السماء : فالمراد بها المطر.
ومعنى "أرسلنا" : أنزلنا.
"والمدرار" مفعال، من درَّ، يَدِرُّ والمعنى : نرسلها كثيرة الدَّرِّ.
ومِفعال : من أسماء المبالغة، كقولهم : امرأة مذكار : إذا كانت كثيرة الولادة للذكور، وكذلك مئناث.


الصفحة التالية
Icon