وقال ابن عطية : والمخاطبة في ﴿ لكم ﴾ هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم وسائر الناس كافة، كأنه قال :﴿ ما لم نمكن ﴾ يا أهل هذا العصر لكم ويحتمل أن يقدر معنى القول لهؤلاء الكفرة، كأنه قال ﴿ يا محمد قل لهم ألم يروا كم أهلكنا ﴾ الآية.
وإذا أخبرت أنك قلت لو قيل له أو أمرت أن يقال له فلك في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها، فتجيء بلفظ المخاطبة، ولك أن تأتي بالمعنى في الألفاظ ذكر غائب دون مخاطبة، انتهى.
فتقول : قلت لزيد ما أكرمك وقلت لزيد ما أكرمه، والضمير في ﴿ مكناهم ﴾ عائد على ﴿ كم ﴾ مراعاة لمعناها، لأن معناها جمع والمراد بها الأمم، وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يعود على ﴿ قرن ﴾ وذلك ضعيف لأن ﴿ من قرن ﴾ تمييز ﴿ لكم ﴾ فكم هي المحدث عنها بالإهلاك فتكون هي المحدث عنها بالتمكين، فما بعده إذ ﴿ من قرن ﴾ جرى مجرى التبيين ولم يحدث عنه، وأجاز أبو البقاء أن يكون ﴿ كم ﴾ هنا ظرفاً وأن يكون مصدراً، أي : كم أزمنة أهلكنا؟ أو كم إهلاكاً أهلكنا؟ ومفعول ﴿ أهلكنا من قرن ﴾ على زيادة من وهذا الذي أجازه لا يجوز، لأنه لا يقع إذ ذاك المفرد موقع الجمع بل تدل على المفرد، لو قلت : كم أزماناً ضربت رجلاً أو كم مرة ضربت رجلاً؟ لم يكن مدلوله مدلول رجال، لأن السؤال إنما هو عن عدد الأزمان أو المرات التي ضرب فيها رجل، ولأن هذا الموضع ليس من مواضع زيادة ﴿ من ﴾ لأنها لا تزاد إلا في الاستفهام المحض أو الاستفهام المراد به النفي، والاستفهام هنا ليس محضاً ولا يراد به النفي والظاهر أن قوله ﴿ مكناهم ﴾ جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : ما كان من حالهم؟ فقيل :﴿ مكناهم في الأرض ﴾.


الصفحة التالية
Icon