قوله تعالى :﴿ فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ ﴾ والفاء للتعقيب وقيل : فصيحة والمراد فكفروا فأهلكناهم ورجح الأول، والباء للسببية أي أهلكنا كل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب كتكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام ﴿ وَأَنشَأْنَا ﴾ أي أوجدنا ﴿ مّن بَعْدِهِمْ ﴾ أي بعد إهلاكهم بسبب ذلك ﴿ قَرْناً ءاخَرِينَ ﴾ بدلاً من الهالكين.
وهذا بيان لأنه تعالى لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخلي بلاده منهم فإنه جل جلاله قادر على أن ينشيء مكانهم آخرين يعمر بهم البلاد فهو كالتتميم لما قبله نحو قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَخَافُ عقباها ﴾ [ الشمس : ٥١ ] وفيه إشارة إلى أنهم قلعوا من أصلهم ولم يبق أحد من نسلهم لجعلهم آخرين وكونهم من بعدهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ﴾
الجملة بيان لجملة :﴿ فسوف يأتيهم أنبار ما كانوا به يستهزئون.
جاء بيانها بطريقة الاستفهام الإنكاري عن عدم رؤية القرون الكثيرة الذين أهلكتهم حوادث خارقة للعادة يدلّ حالها على أنّها مسلّطة عليهم من الله عقاباً لهم على التكذيب.
والرؤية يجوز أن تكون قلبية، أي ألم يعلموا كثرة القرون الذين أهلكناهم، ويجوز أن تكون بصربة بتقدير : ألم يروا آثار القرون التي أهلكناها كديار عاد وحِجْر ثمود، وقد رآها كثير من المشركين في رحلاتهم، وحدّثوا عنها الناس حتى تواترت بينهم فكانت بمنزلة المرئي وتحقّقتها نفوسهم.
وعلى كلا الوجهين ففعل يَرَوا ﴾ معلّق عن العمل في المفعولين أو المفعول، باسم الاستفهام وهو ﴿ كم ﴾.
و( كم ) اسم للسؤال عن عدد مبهم فلا بدّ بعده من تفسير، وهو تمييزه.
كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ سَل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية ﴾ في سورة البقرة ( ٢١١ ) وتكون خبرية فتدلّ على عدد كبير مبهم ولا بدّ من مفسّر هو تمييز للإبهام.