ويدخل عليه حرف الآلة وهو الباء كما هنا، فتكون فيه استعارتان تبعيتان إحداهما في الفعل والأخرى في معنى الحرف، كما في قوله :﴿ ولا تمسّوها بسوء ﴾ [ الأعراف : ٧٣ ].
فالمعنى : وإن يصبك الله بضرّ، أو وإن ينلك من الله ضرّ.
والضُرّ بضم الضاد هو الحال الذي يؤلم الإنسان، وهو من الشرّ، وهو المنافر للإنسان.
ويقابله النفع، وهو من الخير، وهو الملائم.
والمعنى إن قدّر الله لك الضرّ فهلاّ يستطيع أحد كشفه عنك إلاّ هو إن شاء ذلك، لأنّ مقدّراته مربوطة ومحوطة بنواميس ونظم لا تصل إلى تحويلها إلاّ قدرة خالقها.
وقابل قوله :﴿ وإن يمسسك الله بضرّ ﴾ بقوله :﴿ وإن يمسسك بخير ﴾ مقابلة بالأعمّ، لأنّ الخير يشمل النفع وهو الملائم ويشمل السلامة من المنافر، للإشارة إلى أنّ المراد من الضرّ ما هو أعمّ، فكأنّه قيل : إن يمسسك بضرّ وشرّ وإن يمسسك بنفع وخير، ففي الآية احتباك.
وقال ابن عطية : ناب الضرّ في هذه الآية مناب الشرّ والشرّ أعمّ وهو مقابل الخير.
وهو من الفصاحة عدول عن قانون التكلّف والصنعة، فإنّ من باب التكلّف أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختصّ به ونظَّر هذا بقوله تعالى :﴿ إنّ لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنَّك لا تظمأ فيها ولا تضحى ﴾ [ طه : ١١٨، ١١٩ ]. اه.
وقوله :﴿ فهو على كلّ شيء قدير ﴾ جعل جواباً للشرط لأنّه علّة الجواب المحذوف والجواببِ المذكور قبله، إذ التقدير : وإن يمسسك بخير فلا مانع له لأنّه على كلّ شيء قدير في الضرّ والنفع.
وقد جعل هذا العموم تمهيداً لقوله بعده ﴿ وهو القاهر فوق عباده ﴾ [ الأنعام : ١٨ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
إنه تعالى ذكر إمساس الضر وإمساس الخير، إلا أنه ميّز الأول عن الثاني بوجهين :
الأول : أنه تعالى قدم ذكر إمساس الضر على ذكر إمساس الخير، وذلك تنبيه على أن جميع المضار لا بدّ وأن يحصل عقبيها الخير والسلامة.
والثاني : أنه قال في إمساس الضر ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ وذكر في إمساس الخير ﴿فَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدُيرٌ﴾ فذكر في الخير كونه قادراً على جميع الأشياء وذلك يدل على أن إرادة الله تعالى لإيصال الخيرات غالبة على إرادته لإيصال المضار.
وهذه الشبهات بأسرها دالة على أن إرادة الله تعالى جانب الرحمة غالب، كما قال :( سبقت رحمتي غضبي ). أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٤٣﴾


الصفحة التالية
Icon