إن الحق سبحانه يعطينا نماذج على مثل هذا الأمر ؛ فها هوذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يتلقى الأمر بذبح ابنه الوحيد، ويأتيه هذا الأمر بشكل قد يراه غير المؤمن بقضاء الله شديد القسوة، فقد كان على إبراهيم أن يذبح ابنه بنفسه، وهذا ارتقاء في الابتلاء. ولم يلتمس إبراهيم خليل الرحمن عذراً ليهرب من ابتلاء الله له، ولم يقل : إنها مجرد رؤيا وليست وحياً ولكنها حق، وقد جاءه الأمر بأهون تكليف وهو الرؤيا، وبأشق تكليف وهو ذبح الابن، ونرى عظمة النبوة في استقبال أوامر الحق. ويلهمه الله أن يشرك ابنه اسماعيل في استقبال الثواب بالرضا بالقضاء :﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي قَالَ يابني إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى قَالَ ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ].
لقد بلغ إسماعيل عمر السعي في مطالب الحياة مع أبيه حين جاء الأمر في المنام لإبراهيم بأن يذبح ابنه، وامتلأ قلب إسماعيل بالرضا بقضاء الله ولم ينشغل بالحقد على أبيه. ولم يقاوم، ولم يدخل في معركة، بل قال :﴿ ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ].
لقد أخذ الاثنان أمر الله بقبولٍ ورضا ؛ لذلك يقول الحق عنهما معاً :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبراهيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين * إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [ الصافات : ١٠٣-١٠٧ ].


الصفحة التالية
Icon