والأشياء لما كانت بأنفسها وأعيانها مملوكة محاطة له تعالى فهى إن كانت أصواتا سمع ومسموعة له تعالى، وإن كانت أنوار ألوانا بصر ومبصرة له تعالى، والجميع كائنة ما كانت علم ومعلومة له تعالى، وهذا النوع من العلم من صفاته الفعلية التى تتحقق عند تحقق الفعل منه تعالى لا قبل ذلك، ولا يلزم من ثبوتها بعد ما لم تكن تغير في ذاته تعالى وتقدس لانها لا تعدو مقام الفعل، ولا يدخل في عالم الذات فالاية في استنتاجها العلم من الملك تريد إثبات العلم الفعلى، فافهم ذلك.
والآية أعنى قوله :( وله ما سكن في الليل والنهار ) الخ، كإحدى مقدمات الحجة المبينة بالآية السابقة فإن الحجة على المعاد وإن تمت بقوله :( قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ) لكن النظر الابتدائي الساذج ربما غفل عن كون ملكه تعالى للاشياء مستلزما لعلمه بها وسمعه بما يسمع منها كالأصوات والأقوال.
ولذلك نبه عليه بتكرار ملك السموات والأرض، وتفريع السمع والعلم عليه فقال :( وله ما سكن في الليل والنهار - وهو في معنى قوله :( له ما في السماوات والأرض - وهو السميع العليم ) فكانت هذه الآية لذلك بمنزلة مقدمة متممة للحجة المسرودة في الآية السابقة.
والآية - على أنا لم نستوف حقها ولن يستوفى - من أرق الآيات القرآنية معنى وأدقها إشارة وحجة، وأبلغها منطقا. أ هـ ﴿الميزان حـ ٧ صـ ٢٧ ـ ٣٠﴾