وقال ابن عاشور :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾
استئناف آخر ناشىء عن جملة :﴿ قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ﴾ [ الأنعام : ١٢.]
وأعيد الأمر بالقول اهتماماً بهذا المقول، لأنّه غرض آخر غير الذي أمر فيه بالقول قبله، فإنّه لمّا تقرّر بالقول، السابق عبودية ما في السماوات والأرض لله وأنّ مصير كلّ ذلك إليه انتقل إلى تقرير وجوب إفراده بالعبادة، لأنّ ذلك نتيجة لازمة لكونه مالكاً لجميع ما احتوته السماوات والأرض، فكان هذا التقرير جارياً على طريقة التعريض إذ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالتبرّىء من أن يعبد غير الله.
والمقصود الإنكار على الذين عبدوا غيره واتّخذوهم أولياء، كما يقول القائل بمحضر المجادل المكابر ( لا أجحد الحقّ ) لدلالة المقام على أنّ الرسول ﷺ لا يصدر منه ذلك، كيف وقد علموا أنّه دعاهم إلى توحيد الله من أول بعثته، وهذه السورة ما نزلت إلاّ بعد البعثة بسنين كثيرة، كما استخلصناه ممّا تقدّم في صدر السورة.
وقد ذكر ابن عطية عن بعض المفسّرين أنّ هذا القول أمر به الرسول ﷺ ليجيب المشركين الذين دعوه إلى عبادة أصنامهم، أي هو مثل ما في قوله تعالى :﴿ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيّها الجاهلون ﴾ [ الزمر : ٦٤ ]، وهو لعمري ممّا يشعر به أسلوب الكلام وإن قال ابن عطية : إنّ ظاهر الآية لا يتضمّنه كيف ولا بدّ للاستئناف من نكتة.
والاستفهام للإنكار.
وقدّم المفعول الأول ل ﴿ أتّخذ ﴾ على الفعل وفاعله ليكون موالياً للاستفهام لأنّه هو المقصود بالإنكار لا مطلق اتّخاذ الوليّ.
وشأن همزة الاستفهام بجميع استعمالاته أن يليها جزء الجملة المستفهم عنه كالمنكر هنا، فالتقديم للاهتمام به، وهو من جزئيات العناية التي قال فيها عبد القاهر أن لا بدّ من بيان وجه العناية، وليس مفيداً للتخصيص في مثل هذا لظهور أنّ داعي التقديم هو تعيين المراد بالاستفهام فلا يتعيّن أن يكون لغرض غير ذلك.