إذن فأنت تطلب الولي لحظة الضعف، ولحظة الشدة، ولا يوجد إنسان استوت له كل زوايا الحياة فيصير قوياً لا يضعف أبداً، أو يصير غنياً لا يفتقر أبداً. ونعلم أن الإنسان من الأغيار، فلم نر قوياً ثبتت له قوته، ولا غنياً ثبت له ثراؤه ؛ فالإنسان ابن الأغيار، وتأتي له حالات فوق قدرته ؛ لذلك فهو يسأل عمن يعينه ويساعده. والمؤمن يحب أيضاً أن يكون قوياً ليساعد غيره ؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قد وزع المواهب على خلقه في الكون ليضمن بقاء الولاية واستمراريتها، فأنت في احتياج إلى عمل إنسان آخر ؛ لأنك ضعيف في ناحية وغيرك قوي فيها، الطبيب يحتاج إلى المهندس، والمهندس يحتاج إلى الطبيب، والطبيب والمهندس يحتاجان إلى الفلاح، والفلاح يحتاج إلى عمل المهندس والطبيب، والطبيب والمهندس والفلاح يحتاجون إلى عمل المحامي.
هكذا وزع الله المواهب في الكون، ولم يجعل من إنسان مجمعاً لكل المواهب. وذلك حتى يتساند المجتمع لا بالتفضيل والتكرم بل بتساند الحاجة. فكل إنسان هو سيد في زاوية ما من زوايا الحياة، وبقية الزوايا يسودها غيره من البشر، ولذلك يقول الحق سبحانه :﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
هذا هو الإعلان من الله سبحانه وتعالى بأنه وزع المواهب بين البشر ليتسادنوا ويُسخر بعضهم بعضاً في قضاء حوائج بعضهم بعضاً لتنتظم أمور الحياة. وفي هذا التقسيم رحمة من الحق بالخلق. فلو تساوى الناس في الذكاء، وصاروا كلهم من العباقرة، فمن هو الذي سيتولى أمور تنظيم الشوارع؟ ومن الذي سيقوم بأعمال وصيانة المباني ورعاية وإطعام الحيوان والقيام على أمره ونحو ذلك من الأمور التي لا تنتظم الحياة إلا بها؟


الصفحة التالية
Icon