وقال أبو السعود :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً ﴾ بوصفهم النبيَّ الموعودَ في الكتابين بخلاف أوصافِه عليه الصلاة والسلام فإنه افتراءٌ على الله سبحانه وبقولهم : الملائكةُ بناتُ الله، وقولِهم :﴿ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله ﴾، ونحو ذلك، وهو إنكارٌ واستبعادٌ لأن يكونَ أحدٌ أظلمَ ممن فعل ذلك أو مساوياً له، وإن كان سبكُ التركيب غيرَ متعرِّض لإنكار المساواة ونفيُها يشهد به العُرف الفاشي، والاستعمالُ المطَّرد، فإنه إذا قيل : من أكرمُ من فلانٍ أو لا أفضلَ من فلان فالمرادُ به حتماً أنه أكرمُ من كل كريم، وأفضلُ من كل فاضل، ألا يُرى إلى قوله عز وجل :﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الآخرة هُمُ الأخسرون ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً ﴾ الخ، والسرُّ في ذلك أن النسبةَ بين الشيئين إنما تُتصوَّر غالباً لا سيما في باب المغالبة بالتفاوُت زيادةً ونُقصاناً، فإذا لم يكن أحدُهما أزيدَ يتحقق النُقصانُ لا محالة ﴿ أو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾ كأن كذّبوا بالقرآن الذي من جملته الآيةُ الناطقةُ بأنهم يعرِفونه عليه الصلاة والسلام كما يعرِفون أبناءهم، وبالمُعجزات وسمَّوْها سحراً، وحرفوا التوراة وغيّروا نُعوته عليه الصلاة والسلام، فإن ذلك تكذيبٌ بآياته تعالى، وكلمةُ ( أو ) للإيذان بأن كلًّ من الافتراء والتكذيب وحدَه بالغٌ غايةَ الإفراط في الظلم، فكيف وهم قد جمعوا بينهما فأثبتوا ما نفاه الله تعالى ونفَوْا ما أثبته، قاتلهم الله أنى يؤفكون.