قال ابن الصائغ في مسألة الكحل : إن ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد وإن كان نصاً في نفي الزيادة وهي تصدق بالزيادة والنقصان إلا أن المراد الأخير وهو من قصر الشيء على بعض أفراده كالدابة انتهى.
وأنت تعلم أن هذا مشعر باعتبار العرف أيضاً.
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ﴾ كأن كذب بالقرآن الذي من جملته الآية الناطقة بأن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أو بسائر المعجزات التي أيد بها رسول الله ﷺ بأن سماها سحراً، وعد من ذلك تحريف الكتاب وتغيير نعوته ﷺ الذي ذكرها الله تعالى فيه، وإنما ذكر ﴿ أَوْ ﴾ وهم جمعوا بين الأمرين إيذاناً بأن كلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس، وقيل : نبه بكلمة ﴿ أَوْ ﴾ على أنهم جمعوا بين أمرين متناقضين يعني أنهم أثبتوا المنفي ونفوا الثابت، والمراد بالمتناقضين أمران من شأنهما أن لا يجمع بينهما عرفا أو يقال : إن من نفي الثابت بالبرهان يكون بنفي ما لم يثبت به أولى، كذلك في الطرف الآخر فالجمع بينهما جميع بين المتناقضين من هذا الوجه.
وادعى بعضهم أن وجه التناقض المشعر به هذا العطف أن الافتراء على الله تعالى دعوى وجوب القبول بلا حجة ما ينسب إليه تعالى وتكذيب الآيات دعوى أنه يجب أن لا يقبل ما ينسب إليه تعالى ولو أقيم عليه بينة ويجب أن ينكر التنبيه ويرتكب المكابرة بناء على أن الرسول يجب أن يكون ملكاً.
ولا يخفى أن في دعوى التناقض خفاء، وهذه التوجيهات لا ترفعه.
﴿ إنَّهُ ﴾ أي الشأن، والمراد أن الشأن الخطير هذا وهو ﴿ لاَ يُفْلِحُ ﴾ أي لا يفوز بمطلوب ولا ينجو من مكروه ﴿ الظالمون ﴾ من حيث إنهم ظالمون فكيف يفلح الأظلم من حيث إنه أظلم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً ﴾
عطف على جملة ﴿ الذين خسروا أنفسهم ﴾ [ الأنعام : ٢٠ ].