ومن فوائد ابن عطية فى الآية
قال رحمه الله :
قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ وقفوا على النار ﴾ الآية المخاطبة فيه لمحمد ﷺ، وجواب ﴿ لو ﴾ محذوف، تقديره في آخر هذه الآية لرأيت هولاً أو مشقات أو نحو هذا، وحذف جوابها في مثل هذا أبلغ لأن المخاطب يترك مع غاية تخيله، ووقعت ﴿ إذ ﴾ في موضع إذا التي هي لما يستقبل وجاز ذلك لأن الأمر المتيقن وقوعه يعبر عنه كما يعبر عن الماضي الوقوع، و﴿ وقفوا ﴾ معناه : حبسوا، ولفظ هذا الفعل متعدياً وغير متعد سواء، تقول : وقفت أنا ووقفت غيري، وقال الزهراوي : وقد فرق بينهما بالمصدر ففي المتعدي وقفته وقفاً وفي غير المتعدي وقفت وقوفاًَ، قال أبو عمرو بن العلاء : لم أسمع في شيء من كلام العرب أوقفت فلاناً إلا أني لو لقيت رجلاً واقفاً فقلت له ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسناً، ويحتمل قوله :﴿ وقفوا على النار ﴾ أن يكون دخلوها، فكان وقوفهم عليها أي فيها، قاله الطبري، ويحتمل أن يكون أشرفوا عليها وعاينوها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر :" ولا نكذبُ " و" نكونُ " بالرفع في كلها، وذلك على نية الاستئناف والقطع في قوله " ولا نكذب ونكون " أي يا ليتنا نرد ونحن على كل حال لا نكذب ونكون، فأخبروا أنفسهم بهذا ولهذا الإخبار صح تكذيبهم بعد هذا، ورجح هذا سيبويه ومثله بقولك دعنى ولا أعود أي وأنا لا أعود على كل حال، ويخرج ذلك على قول آخر وهو أن يكون " ولا نكذب ونكون " داخلاً في التمني على حد ما دخلت في نرد، كأنهم قالوا : يا ليتنا نرد وليتنا نكذب وليتنا نكون، ويعترض هذا التأويل بأن من تمنى شيئاً يقال إنه كاذب وإنما يكذب من أخبر.


الصفحة التالية
Icon