وذلك أنّهم كانوا يخطر لهم الإيمان لما يرون من دلائله أو من نصر المؤمنين فيصدّهم عنه العناد والحرص على استبقاء السيادة والأنفة من الاعتراف بفضل الرسول وبسبق المؤمنين إلى الخيرات قبلهم، وفيهم ضعفاء القوم وعبيدهم، كما ذكرناه عند قوله تعالى :﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي ﴾ في هذه السورة [ ٥٢ ]، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى :﴿ ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ في سورة [ الحجر : ٢ ].
وهذا التفسير يغني عن الاحتمالات التي تحيّر فيها المفسّرون وهي لا تلائم نظم الآية، فبعضها يساعده صدرُها وبعضها يساعدُه عجزها وليس فيها ما يساعده جميعها. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
المراد من الآية : أنه ظهر لهم في الآخرة ما أخفوه في الدنيا.
وقد اختلفوا في ذلك الذي أخفوه على وجوه : الأول : قال أبو روق : إن المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون ﴿والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر، فذلك حين بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل.
قال الواحدي : وعلى هذا القول أهل التفسير.
الثاني : قال المبرد : بدا لهم وبال عقائدهم وأعمالهم وسوء عاقبتها، وذلك لأن كفرهم ما كان بادياً ظاهراً لهم، لأن مضار كفرهم كانت خفية، فلما ظهرت يوم القيامة لا جرم قال الله تعالى :﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾ الثالث : قال الزجاج : بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء عنهم من أمر البعث والنشور.
قال والدليل على صحة هذا القول أنه تعالى ذكر عقيبه ﴿وَقَالُواْ إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثين﴾ [ الأنعام : ٢٩ ] وهذا قول الحسن.
الرابع : قال بعضهم : هذه الآية في المنافقين، وقد كانوا يسرون الكفر ويظهرون الإسلام، وبدا لهم يوم القيامة، وظهر بأن عرف غيرهم أنهم كانوا من قبل منافقين.


الصفحة التالية
Icon