ومن فوائد أبى السعود فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ﴾ إضرابٌ عما يُنْبىءُ عنه التمني من الوعد بتصديق الآيات والإيمان بها أي ليس ذلك عن عزيمة صادقةٍ ناشئة عن رغبةٍ في الإيمان وسَوْقٍ إلى تحصيله والاتصافِ به بل لأنه ظهرَ لهم في موقفهم ذلك ما كانوا يخفونه في الدنيا من الداهيةِ الدهياء وظنوا أنهم مُواقِعوها فلِخَوْفها وهول مطلعها قالوا ما قالوا والمراد بها النارُ التي وُقفوا عليها إذ هي التي سيق الكلامُ لتهويل أمرها والتعجبِ من فظاعة حالِ الموقوفين عليها وبإخفائها تكذيبُهم بها، فإن التكذيبَ بالشيء كفر به وإخفاءٌ له لا محالة وإيثاره على صريح التكذيب الوارد في قوله عز وجل :﴿ هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون ﴾ وقوله تعالى :﴿ هذه النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ ﴾ مع كونه أنسبَ بما قبله من قولهم :﴿ وَلاَ نُكَذّبَ بئايات رَبّنَا ﴾ لمراعاة ما في مقابلته من البُدُوّ، هذا هو الذي تستدعيه جزالةُ النظم الكريم، وأما ما قيل من أن المراد بما يُخفون كفرُهم ومعاصيهم أو قبائحُهم وفضائحُهم التي كانوا يكتُمونها من الناس فتظهرُ في صُحُفهم وبشهادة جوارحِهم عليهم أو شركِهم الذي يجحدون به في بعض مواقف القيامة بقولهم :﴿ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ ثم يظهر بما ذُكر من شهادة الجوارحِ عليهم أو ما أخفاه رؤساءُ الكفرة عن أتباعهم من أمر البعث والنشور أو ما كتمه علماءُ أهل الكتابين من صحة نبوةِ النبي عليه الصلاة والسلام ونُعوته الشريفة عن عوامِّهم، على أن الضميرَ المجرورَ للعوام والمرفوعَ للخواص، أو كفرُهم الذي أخفَوْه عن المؤمنين والضميرُ المجرور للمؤمنين والمرفوعُ للمنافقين، فبعدَ الإغضاءِ عما في كلَ منها من الاعتساف والاختلال لا سبيل إلى شيء من ذلك أصلاً لما عرفت من أن سَوْق النظم الشريف لتهويل أمر النار وتفظيعِ حال أهلها وقد ذُكر وقوفُهم عليها وأُشير إلى أنه اعتراهم


الصفحة التالية
Icon