وفي "صحيح البخاري" : أنّ رجلاً قال لابن عباس : إنِّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، فذكر منها قوله :﴿ ولا يكتمون الله حديثاً ﴾ [ النساء : ٤٢ ] وقوله :﴿ والله ربّنا ما كنّا مشركين ﴾.
فقد كتموا في هذه الآية.
فقال ابن عباس : إنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، فيقول المشركون تعالوا نقل : ما كنّا مشركين، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرفوا أنّ الله لا يُكتم حديثاً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
قال الزجاج : تأويل هذه الآية حسن في اللغة لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك، وذلك أن الله تعالى بيّن كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين على حبه، فاعلم في هذه الآية أنه لم يكن افتتانهم بشركهم وإقامتهم عليه، إلا أن تبرؤا منه وتباعدوا عنه، فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين : ومثاله أن ترى إنساناً يحب عارياً مذموم الطريقة فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه، فيقال له ما كانت محبتك لفلان، إلا أن انتفيت منه فالمراد بالفتنة ههنا افتتانهم بالأوثان، ويتأكد هذا الوجه بما روى عطاء عن ابن عباس : أنه قال ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ معناه شركهم في الدنيا، وهذا القول راجع إلى حذف المضاف لأن المعنى ثم لم تكن عاقبة فتنتهم إلا البراءة، ومثله قولك ما كانت محبتك لفلان، إلا أن فررت منه وتركته. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٥١﴾


الصفحة التالية