فصل
قال الفخر :
ظاهر الآية يقتضي : أنهم حلفوا في القيامة على أنهم ما كانوا مشركين، وهذا يقتضي إقدامهم على الكذب يوم القيامة، وللناس فيه قولان : الأول : وهو قول أبي علي الجبائي، والقاضي : أن أهل القيامة لا يجوز إقدامهم على الكذب واحتجا عليه بوجوه : الأول : أن أهل القيامة يرعفون الله تعالى بالاضطرار، إذ لو يعرفون بالاستدلال لصار موقف القيامة دار التكليف، وذلك باطل، وإذا كانوا عارفين بالله على سبيل الاضطرار، وجب أن يكونوا ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح بمعنى أنهم يعلمون أنهم لو راموا فعل القبيح لمنعهم الله منه لأن مع زوال التكليف لو لم يحصل هذا المعنى لكان ذلك إطلاقهم في فعل القبيح، وأنه لا يجوز، فثبت أن أهل القيامة يعلمون الله بالاضطرار، وثبت أنه متى كان كذلك كانوا ملجئين إلى ترك القبيح، وذلك يقتضي أنه لا يقدم أحد من أهل القيامة على فعل القبيح.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنه لا يجوز منهم فعل القبيح، إذا كانوا عقلاء إلا أنا نقول : لم لا يجوز أن يقال : إنه وقع منهم هذا الكذب لأنهم لما عاينوا أهوال القيامة اضطربت عقولهم، فقالوا : هذا القول الكذب عند اختلال عقولهم، أو يقال : إنهم نسوا كونهم مشركين في الدنيا.
والجواب عن الأول : أنه تعالى لا يجوز أن يحشرهم : ويورد عليهم التوبيخ بقوله ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ﴾ [ الأنعام : ٢٢ ] ثم يحكي عنهم ما يجري مجرى الاعتذار مع أنهم غير عقلاء، لأن هذا لا يليق بحكمة الله تعالى، وأيضاً فالمكلفون لا بدّ وأن يكونوا عقلاء يوم القيامة، ليعلموا أنهم بما يعاملهم الله به غير مظلومين.