والثالث : قوله تعالى حكاية عنهم ﴿قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [ الكهف : ١٩ ] وكل ذلك يدل على إقدامهم في بعض الأوقات على الكذب.
والرابع : قوله حكاية عنهم ﴿وَنَادَوْاْ يا مالك مالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ] وقد علموا أنه تعالى لا يقضي عليهم بالخلاص.
والخامس : أنه تعالى في هذه الآية حكى عنهم أَنَّهُمْ قَالُواْ ﴿والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ وحمل هذا على أن المراد ما كنا مشركين في ظنوننا وعقائدنا مخالفة للظاهر.
ثم حمل قوله بعد ذلك ﴿انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ﴾ على أنهم كذبوا في الدنيا يوجب فك نظم الآية، وصرف أول الآية إلى أحوال القيامة وصرف آخرها إلى أحوال الدنيا وهو في غاية البعد.
أما قوله إما أن يكونوا قد كذبوا حال كمال العقل أو حال نقصان العقل فنقول : لا يبعد أن يقال إنهم حال ما عاينوا أهوال القيامة، وشاهدوا موجبات الخوف الشديد اختلت عقولهم فذكروا هذا الكلام في ذلك الوقت وقوله : كيف يليق بحكمة الله تعالى أن يحكى عنهم ما ذكروه في حال اضطراب العقول، فهذا يوجب الخوف الشديد عند سماع هذا الكلام حال كونهم في الدنيا ولا مقصود من تنزيل هذه الآيات إلا ذلك.
وأما قوله ثانياً المكلفون لا بدّ أن يكونوا عقلاء يوم القيامة فنقول : اختلال عقولهم ساعة واحدة حال ما يتكلمون بهذا الكلام لا يمنع من كمال عقولهم في سائر الأوقات.
فهذا تمام الكلام في هذه المسألة والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٥١ ـ ١٥٣﴾
وقال الماوردى :
﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ تبدأوا بذلك من شركهم، فإن قيل : كيف كذبوا في الآخرة بجحود الشرك ولا يصح منهم الكذب في الآخرة لأمرين :
أحدهما : أنه لا ينفعهم.


الصفحة التالية
Icon