قال الخفاجي - بعد نقله ما ذكر - : وليس هذا من قبيل عتابك السيف، ولا من تقدير المضاف، وإن صح فاحفظه، فإنه من البدائع الروائع. الثاني - ما بينّاه من أن ( ما ) في قوله تعالى :﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ موصولة، كناية عن الشركاء، بمعنى عدم إغنائها عنهم - هو الموافق للآية الثانية التي سقناها. وجوز كونها مصدرية. أي : انظر كيف ذهب وزال عنهم افتراؤهم من الإشراك، حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية، وتبرؤوا منه بالمرة.
هذا، وجعل الناصر في " الانتصاف " :﴿ ضَلَّ ﴾ بمعنى سُلِبُوا علمه، فكأنهم نسوه وذهلوه دهشاً. هو بعيد لعدم ملاقاته للآية أخرى. والتنزيل يفسر بعضه بعضاً. وعبارته : في الآية دليل بيّن على أن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به، كذب، وإن لم يعلم المخبر مخالفة خبره بمخبره. ألا تراه جعل إخبارهم وتبريهم كذباً، مع أنه تعالى أخبر أنهم ضل عنهم ما كانوا يفترون. أي : سلبوا علمه حينئذ دهشاً وحيرةً. فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم. انتهى.
الثالث -قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور، وعلى أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته ؟.
قلت : الممتحَن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه، من غير تمييز بينهما، حيرةً ودهشاً، ألا تراهم يقولون :﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٧ ] ؟ وقد أيقنو بالخلود، ولم يشكوا فيه ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ]. وقد علموا أنه لا يقضي عليهم.


الصفحة التالية
Icon