وهكذا يضمن الإنسان منا أنه قد خرج من دائرة الكذب. وحينما يقول الله لرسول :" انظر " ويكون ذلك على أمر لم يأت زمان النظر فيه ؛ فرسول الله يصدق ربه وكأنه قد رأى هذا الأمر. إن الحق يصف هؤلاء الناس بأنهم :﴿ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ ﴾ أي أن كذبهم الذي سوف يحدث يوم القيامة هو أمر واقع بالفعل. وقد يكذب الإنسان لصالحه في الدنيا. لكن الكذب أمام الله يكون على حساب الإنسان لا له.
ويتابع الحق :﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ ومعنى هذا أنهم يبحثون في اليوم الآخر عن الشركاء ولكنّهم لا يقدرون على تحديد هؤلاء الشركاء لأنهم قالوا أمام الله :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ وغياب الشركاء عنهم أمام الله هو ما يوضحه ويبينّه قول الله :﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ ف " ضل " هنا معناها " غاب ".
ألم يقولوا من قبل :﴿ وقالوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴾ [ السجدة : ١٠ ].
أنهم كمنكرين للبعث يتساءل باندهاش : أإذا غابوا في الأرض واختلطوا بعناصرها يمكن أن يبعثهم ربهم من جديد؟. فهم لا يصدقون أن الذي أنشأهم أول مرة بقادر على أن يعيدهم مرة أخرى. ونعرف أن كلمة " ضل " لها معانٍ متعددة.
لكن معناها هنا " غاب "، وحين يسألهم الله : أين شركاؤكم؟، ينكرون كذباً أنهم أشركوا، لقد ضل عنهم - أي غاب عنهم - هؤلاء الشركاء. والإنسان يعبد الإله الذي ينفعه يوم الحشر، وعندما يغيب الآلهة عن يوم الحشر فهذا ما يبرز ضلال تلك الآلهة وغيابها وقت الحاجة إليها، ولا يبقى إلا وجه الله الذي يحاسب من أشركوا به.


الصفحة التالية
Icon