قلنا لا يقبح ذلك إذا كانت الصفة قد استعملت استعمال الأسماء ولفظ الآخرة قد استعمل الأسماء، والدليل عليه : قوله ﴿وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾ [ الضحى : ٤ ] وأما قراءة العامة فهي ظاهرة لأنها تقتضي جعل الآخرة صفة للدار وذلك هو الحقيقة ومتى أمكن إجراء الكلام على حقيقته فلا حاجة إلى العدول عنه والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٦٧﴾
وقال الثعلبى :
﴿ وَلَلدَّارُ الآخرة ﴾ قرأتها العامة رفعاً على نعت الواو، وإضافة أهل الشام لاختلاف اللفظين كقوله : ربيع الأول، ومسجد الجامع ﴿ وَحَبَّ الحصيد ﴾ [ ق : ٩ ] سميت الدنيا لدنوّها، وقيل : لدناءتها وسميت الآخرة لأنها بعد الدنيا ﴿ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ من الشرك ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أي الآخرة أفضل من الدنيا. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
وقرأ ابن عامر ﴿ وَلَدَارُ الآخرة ﴾ بالإضافة وهي من إضافة الصفة إلى الموصوف وقد جوزها الكوفيون، ومن لم يجوز ذلك تأوله بتقدير ولدار النشأة الآخرة أو إجراء الصفة مجرى الاسم، وقرأ ابن كثير وغيره ﴿ يَعْقِلُونَ ﴾ بالياء والضمير للكفار القائلين ﴿ إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا ﴾ [ الأنعام : ٢٩ ]، وقيل : للمتقين والاستفهام للتنبيه والحث على التأمل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقرأ جمهور العشرة ﴿ وللدار ﴾ بلامين لام الابتداء ولام التعريف، وقرأوا ﴿ الآخرة ﴾ بالرفع.
وقرأ ابن عامر ﴿ ولَدارُ الآخرة ﴾ بلام الابتداء فقط وبإضافة دار منكّرة إلى الآخرة فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم : مسجد الجامع، أو هو على تقدير مضاف تكون ﴿ الآخرة ﴾ وصفاً له.
والتقدير : دار الحياة الآخرة.
و﴿ خَيْر ﴾ تفضيل على الدنيا باعتبار ما في الدنيا من نعيم عاجل زائل يلحق معظمة مؤاخذةٌ وعذاب. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
اختلفوا في المراد بالدار الآخرة على وجوه.
قال ابن عباس : هي الجنة، وإنها خير لمن اتقى الكفر والمعاصي.
وقال الحسن : المراد نفس الآخرة خير.
وقال الأصم : التمسك بعمل الآخرة خير.
وقال آخرون : نعيم الآخرة من نعيم الدنيا، من حيث إنها باقية دائمة مصونة عن الشوائب آمنة من الانقضاء والانقراض.