هذا هو التأويل الذي أستريح إليه في حلفهم بالله يوم القيامة وهم في حضرته : أنهم ما كانوا مشركين. وفي تأويل كذبهم على أنفسهم كذلك. فهم لا يجرؤون يوم القيامة أن يكذبوا على الله، وأن يحلفوا أنهم ما كانوا مشركين عامدين بالكذب على الله - كما تقول بعض التفاسير - فهم يوم القيامة لا يكتمون الله حديثاً.. إنما هو تعري الفطرة عن الشرك أمام الهول الرعيب ؛ وأنمحاء هذا الباطل الكاذب حتى لا أثر له في حسهم يومذاك.
ثم تعجيب الله - سبحانه - من كذبهم الذي كذبوه على أنفسهم في الدنيا ؛ والذي لا ظل له في حسهم ولا في الواقع يوم القيامة!
.. والله أعلم بمراده على كل حال.. إنما هو احتمال..
ويمضي السياق يصور حال فريق من المشركين ؛ ويقرر مصيرهم في مشهد من مشاهد القيامة.. يصور حالهم وهم يستمعون القرآن معطلي الإدراك، مطموسي الفطرة، معاندين مكابرين، يجادلون رسول الله - ﷺ - وهم على هذا النحو من الاستغلاق والعناد، ويدعون على هذا القرآن الكريم أنه أساطير الأولين ؛ وينأون عن سماعه وينهون غيرهم عنه أيضاً.. يصور حالهم هكذا في الدنيا في صفحة، وفي الصفحة الأخرى يرسم لهم مشهداً كئيباً مكروباً ؛ وهم موقوفون على النار محبوسون عليها، وهي تواجههم بهول المصير الرعيب ؛ وهم يتهافتون متخاذلين ؛ ويتهاوون متحسرين ؛ يتمنون لو يردون إلى الدنيا فيكون لهم موقف غير ذلك الموقف، الذي انتهى بهم إلى هذا المصير. فيردون عن هذا التمني بالتصغير والتحقير :