وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ قد خسر الذين كذَّبوا بلقاء الله ﴾ إنما وُصِفُوا بالخسران، لأنهم باعوا الإيمان بالكفر، فعظم خسرانهم.
والمراد بلقاء الله : البعث والجزاء ؛ والساعة : القيامة ؛ والبغتة : الفجأة.
قال الزجاج : كلُّ ما أتى فجأة فقد بغت، يقال قد بغته الأمر يَبْغَتُه بَغْتاً وبغتةً : إذا أتاه فجأة.
قال الشاعر :
وَلكَِنَّهم بانُوا وَلَمْ أَخْشَ بَغْتَةً...
وَأَفْظَعُ شيءٍ حِينَ يَفْجَؤُكَ البَغْتُ
قوله تعالى :﴿ يا حسرتنا ﴾ الحسرة : التلهف على الشيء الفائت، وأهل التفسير يقولون : يا ندامتنا.
فإن قيل : ما معنى دعاء الحسرة، وهي لا تعقِلُ؟
فالجواب : أن العرب إذا اجتهدت في المبالغة في الإخبار عن عظيم ما تقع فيه، جعلته نداءً، فتدخِلُ عليه "يا" للتنبيه، والمراد تنبيه الناس، لا تنبيه المنادي.
ومثله قولهم : لا أرينَّك هاهنا، لفظه لفظ الناهي لنفسه، والمعنى للمنهي ؛ ومن هذا قولهم : يا خَيْلَ الله اركبي، يراد : يا فرسان خيل الله.
وقال سيبويه : إذا قلتَ يا عجباه، فكأنك قلت : احضر وتعال يا عَجَبُ، فهذا زمانك.
فأما التفريط فهو : التضييع.
وقال الزجاج : التفريط في اللغة : تقدمه العجز.
وفي المكني عنه بقوله :"فيها" ثلاثة أقوال.
أحدها : أنها الدنيا، فالمعنى على ما ضيعنا في الدنيا من عمل الآخرة، قاله مقاتل.
والثاني : أنها الصَّفقة، لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة، وَترك ذكرها اكتفاءً بذكر الخسران ؛ قاله ابن جرير.
والثالث : أنها الطاعة، ذكره بعض المفسرين.
فأما الأوزار، فقال ابن قتيبة : هي الآثام، وأصل الوزر : الحمل على الظهر.
وقال ابن فارس : الوزر : الثقل.
وهل هذا الحمل حقيقة فيه قولان.
أحدهما : أنه على حقيقته.


الصفحة التالية
Icon