ولذلك تجيء معه ( على ) التي تدخل على الشيء المتحسّر من أجله داخلة على ما يدلّ على غير التحسّر، كقوله تعالى :﴿ يا حسرة على العباد فأمّا مع ( يا حسرتي، أو يا حسرتا ) فإنّما تجيء ( على ) داخلة على الأمر الذي كان سبباً في التحسّر كما هنا على ما فرطنا فيها ﴾.
ومثل ذلك قولهم : يا ويلي ويا ويلتِي، قال تعالى :﴿ ويقولون يا ويلتنا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، فإذا أراد المتكلِّم أنّ الويل لغيره قال : ويْلك، قال تعالى :﴿ ويلك آمنْ ﴾ [ الأحقاف : ١٧ ] ويقولون : ويل لك.
والحسرة : الندم الشديد، وهو التلهّف، وهي فَعْلة من حِسر يحْسَر حَسْراً، من باب فرح، ويقال : تحسّر تحسّراً.
والعرب يعاملون اسم المرّة معاملة مطلق المصدر غير ملاحظين فيه معنى المرّة، ولكنّهم يلاحظون المصدر في ضمن فرد، كمدلول لام الحقيقة، ولذلك يحسن هذا الاعتبار في مقام النداء لأنّ المصدر اسم للحاصل بالفعل بخلاف اسم المرّة فهو اسم لفرد من أفراد المصدر فيقوم مقام الماهية.
و﴿ فَرّطنَا ﴾ أضعنا.
يقال : فرّط في الأمر إذا تهاون بشيء ولم يحفظه، أو في اكتسابه حتى فاته وأفلت منه.
وهو يتعدّى إلى المفعول بنفسه، كما دلّ عليه قوله تعالى :﴿ ما فرّطنا في الكتاب من شيء ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ].
والأكثر أن يتعدّى بحرف ( في ) فيقال فرّط في ماله، إذا أضاعه.
و﴿ مَا ﴾ موصولة ماصْدَقُها الأعمال الصالحة.
ومفعول ﴿ فرّطنا ﴾ محذوف يعود إلى ﴿ مَا ﴾.
تقديره : ما فرّطناه وهم عامّ مثل معاده، أي ندمنا على إضاعة كلّ ما من شأنه أن ينفعنا ففرّطناه، وضمير ﴿ فيها ﴾ عائد إلى الساعة.
و"في" تعليلية، أي ما فوّتناه من الأعمال النافعة لأجل نفع هذه الساعة، ويجوز أن يكون ﴿ في ﴾ للتعدية بتقدير مضاف إلى الضمير، أي في خيراتها.
والمعنى على ما فرّطنا في الساعة، يَعْنُونَ ما شاهدوه من نجاة ونعيم أهل الفلاح.
ويجوز أن يعود ضمير ﴿ فيها ﴾ على الحياة الدنيا، فيكون "في" للظرفية الحقيقية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon