وقال أبو السعود :
﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذى يَقُولُونَ ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لتسلية رسول الله ﷺ عن الحزن الذي يعتريه مما حُكي عن الكفرة من الإصرار على التكذيب والمبالغة فيه ببيان أنه عليه الصلاة والسلام بمكانةٍ من الله عز وجل وأن ما يفعلون في حقه فهو راجعٌ إليه تعالى في الحقيقة وأنه ينتقم منهم لا محالة أشدَّ انتقام، وكلمةُ ( قد ) لتأكيد العلم بما ذكر المفيدِ لتأكيد الوعيدِ كما في قوله تعالى :﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ وقوله تعالى :﴿ قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين ﴾ ونحوِهما بإخراجها إلى معنى التكثير حسبما يُخْرجُ إليه ربما في مثل قوله :
وإنْ تُمْسِ مهجورَ الفِناء فربما... أقام به بعد الوفود وفودُ
جرياً على سَننِ العرب عند قصد الإفراط في التكثير تقول لبعض قُوادِ العساكر : كم عندك من الفرسان؟ فيقول : رُبَّ فارسٍ عندي، وعنده مقانبُ جَمةٌ يريد بذلك التماديَ في تكثير فُرسانه ولكنه يروم إظهارَ براءته عن التزيُّد وإبرازَ أنه ممن يقلل كثيرَ ما عنده فضلاً عن تكثير القليل وعليه قوله عز وجل :﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ وهذه طريقة إنما تُسلك عند كون الأمر من الوضوح بحيث لا تحوم حوله شائبةُ ريبٍ حقيقةً، كما في الآيات الكريمة المذكورة، أو ادعاءً كما في البيت وقولِه :
قد أترك القِرْنَ مُصفرّاً أناملُهُ... وقولِه
ولكنه قد يُهلك المالَ نائِلُهْ... والمراد بكثرة علمه تعالى كثرةُ تعلقِه وهو متعدَ إلى اثنين وما بعده سادٌّ مسدَّها واسمُ ( إن ) ضمير الشأن وخبرُها الجملة المفسرة له والموصولُ فاعل ( يحزنك ) وعائدُه محذوف أي الذي يقولونه وهو ما حُكي عنهم من قولهم :﴿ إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين ﴾ ونحوُ ذلك وقرىء ( لَيُحزِنُك ) من أحزن المنقول من حزِن اللازم. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾