فحرف ﴿ قد ﴾ مختصّ بالدخول على الأفعال المتصرّفة الخبرية المثبتة المجرّدة من ناصب وجازم وحرف تنفيس، ومعنى التحقيق ملازم له.
والأصحّ أنّه كذلك سواء كان مدخولها ماضياً أو مضارعاً، ولا يختلف معنى ﴿ قد ﴾ بالنسبة للفعلين.
وقد شاع عند كثير من النحويّين أنّ ﴿ قد ﴾ إذا دخل على المضارع أفاد تقليل حصول الفعل.
وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من كلام سيبويه، ومن ظاهر كلام "الكشاف" في هذه الآية.
والتحقيق أنّ كلام سيبويه لا يدلّ إلاّ على أنّ ﴿ قد ﴾ يستعمل في الدلالة على التقليل لكن بالقرينة وليست بدلالة أصلية.
وهذا هو الذي استخلصتُه من كلامهم وهو المعوّل عليه عندي.
ولذلك فلا فرق بين دخول ﴿ قد ﴾ على فعل المضي ودخوله على الفعل المضارع في إفادة تحقيق الحصول، كما صرّح به الزمخشري في تفسير قوله تعالى :﴿ قد يعلم ما أنتم عليه ﴾ في سورة النور ( ٦٤ ).
فالتحقيق يعتبر في الزمن الماضي إن كان الفعل الذي بعد قد } فعلَ مُضيّ، وفي زمن الحال أو الاستقبال إن كان الفعل بعد ( قد ) فعلاً مضارعاً مع ما يضمّ إلى التحقيق من دلالة المقام، مثللِ تقريب زمن الماضي من الحال في نحو : قد قامت الصلاة.
وهو كناية تنشأ عن التعرّض لتحقيق فعل ليس من شأنه أن يشكّ السامع في أنّه يقع، ومثللِ إفادة التكثير مع المضارع تبعاً لما يقتضيه المضارع من الدلالة على التجدّد، كالبيت الذي نسبه سيبويه للهذلي، وحقّق ابن بري أنّه لعبيد بن الأبرص، وهو:
قَدْ أتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّا أنَامِلُه...
كأنّ أثْوَابَه مُجَّتْ بِفِرْصَاد
وبيت زهير:
أخا ثقة لا تُهلك الخمرُ مالَه...
ولكنَّه قد يهلك المالَ نائلُه
وإفادة استحضار الصورة، كقول كعب:
لَقد أقُومُ مَقَاما لو يقوم به...
أرى وأسمعُ ما لو يسمَع الفِيلُ
لَظلّ يُرعَد إلاّ أن يكون له...
من الرسول بإذن الله تَنْويل