و ﴿ يبعثهم ﴾ على هذا حقيقة، وهو ترشيح للاستعارة، لأنّ البعث من ملائمات المشبّه به في العرف وإن كان الحي يخبر عنه بأنه يبعث، أي بعد موته، ولكن العرف لا يذكر البعث إلاّ باعتبار وصف المبعوث بأنّه ميّت.
ويجوز أن يكون البعث استعارة أيضاً للهداية بعد الضلال تبعاً لاستعارة الموت لعدم قبول الهدى على الوجهين المعروفين في الترشيح في فن البيان من كونه تارة يبقى على حقيقته لا يقصد منه إلاّ تقوية الاستعارة، وتارة يستعار من ملائم المشبّه به إلى شبهه من ملائم المشبّه، كقوله تعالى :﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ﴾ [ آل عمران : ١٠٣ ].
فيكون على هذا الوجه في الكلام وعد للرسول ﷺ بأنّ بعض هؤلاء الضالّين المكذّبين سيهديهم الله تعالى إلى الإسلام، وهم من لم يسبق في علمه حرمانهم من الإيمان.
فعلى الوجه الأول يكون قوله ﴿ ثم إليه يُرْجعون ﴾ زيادة في التهديد والوعيد.
وعلى الوجه الثاني يكون تحريضاً لهم على الإيمان ليلقوا جزاءه حين يُرجعون إلى الله.
ويجوز أن يكون الوقف عند قوله تعالى :﴿ يبعثهم الله ﴾.
وتمّ التمثيل هنالك.
ويكون قوله :﴿ ثم إليه يرجعون ﴾ استطراداً تُخلّص به إلى قرع أسماعهم بإثبات الحشر الذي يقع بعد البعث الحقيقي، فيكون البعث في قوله :﴿ يبعثهم الله ﴾ مستعملاً في حقيقته ومجازه.
وقريب منه في التخلّص قوله تعالى :﴿ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ﴾ في سورة [ البقرة : ٧٣ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
فائدة
قال محمد بن أبى بكر الرازى :
فإن قيل : إذا بعث الله الموتى من قبورهم فقد رجعوا إليه بالحياة بعد الموت فما فائدة قوله ﴿ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) ﴾ ؟
قلنا : المراد به وقوفهم بين يديه للحساب والجزاء وذلك غير البعث وهو إحياؤهم بعد الموت، فلا تكرار فيه. أ هـ ﴿تفسير الرازى صـ ١٣٥﴾


الصفحة التالية
Icon