وقال الآلوسى :
وقوله سبحانه :﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ ﴾ تعليل لما يشعر به الكلام السابق من النهي عن الاعتداد بما قالوا بطريق التسلي بما يفيده من بلوغه ﷺ في جلالة القدر ورفعة الشأن غاية ليس وراءها غاية حيث نفى تكذيبهم قاتلهم الله تعالى عنه ﷺ وأثبته لآياته تعالى على طريقة قوله سبحانه وتعالى :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله ﴾ [ الفتح : ١٠ ] إيذاناً بكمال القرب واضمحلال شؤونه ﷺ في شأن الله عز وجل.
وفيه أيضاً استعظام لجنايتهم منبىء عن عظم عقوبتهم كأنه قيل : لا تعتد به وكله إلى الله تعالى فإنهم في تكذيبهم ذلك لا يكذبونك في الحقيقة.
﴿ ولكن الظالمين بآيات الله يَجْحَدُونَ ﴾ أي ولكنهم بآياته تعالى يكذبون، فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالرسوخ في الظلم الذي جحودهم هذا فن من فنونه، وقيل : إن كان المراد من الظلم مطلقه فالوضع للإشارة إلى أن ذلك دأبهم وديدنهم وإنه علة الجحود لأن التعليق بالمشتق يفيد علية المأخذ، وإن أريد به الظلم المخصوص فهو عين الجحد وواقع به نحو ﴿ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ باتخاذكم العجل ﴾ [ البقرة : ٥٤ ] فيكون المبتدأ مشيراً إلى وجه بناء الخبر كقوله
: إن الذي سمك السماء بنى لنا...
بيتاً دعائمه أعز وأطول
وقيل : إن أل في ﴿ الظالمين ﴾ إن كانت موصولة واسم الفاعل بمعنى الحدوث أفاد الكلام سببية الجحد للظلم، وإن كانت حرف تعريف واسم الفاعل بمعنى الثبوت أفاد سببية الظلم للجحد ولا يخفى ما فيه، والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة واستعظاماً لما قدموا عليه، وإيراد الجحود في مورد التكذيب للإيذان بأن آياته سبحانه من الوضوح بحيث يشاهد صدقها كل أحد وأن من ينكرها فإنما ينكرها بطريق الجحود وهو كالجحد نفي ما في القلب ثباته أو إثبات ما في القلب نفيه.


الصفحة التالية
Icon