وقد تقدّم في صدر السورة، وقيل : للإشارة إلى ظلمة الكفر، وظلمة الجهل، وظلمة العناد.
وقوله :﴿ صمّ وبكم ﴾ خبر ومعطوف عليه.
وقوله :﴿ في الظلمات ﴾ خبر ثالث لأنّه يجوز في الأخبار المتعددة ما يجوز في النعوت المتعدّدة من العطف وتركه.
وقوله :﴿ من يشأ الله يضلله ﴾ استئناف بياني لأنّ حالهم العجيبة تثير سؤالاً وهو أن يقول قائل ما بالهم لا يهتدون مع وضوح هذه الدلائل البيّنات، فأجيب بأنّ الله أضلّهم فلا يهتدون، وأنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، فدلّ قوله :﴿ من يشأ الله يضلله ﴾ على أنّ هؤلاء المكذّبين الضالّين هم ممَّن شاء الله إضلالهم على طريقة الإيجاز بالحذف لظهور المحذوف، وهذا مرتبط بما تقدّم من قوله تعالى :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ﴾ [ الأنعام : ٣٥ ].
ومعنى إضلال الله تقديره الضلال ؛ بأن يخلق الضّالّ بعقل قابل للضلال مُصرّ على ضلاله عنيد عليه فإذا أخذ في مبادىء الضلال كما يعرض لكثير من الناس فوعظه واعظ أو خطر له في نفسه خاطر أنَّه على ضلال منعه إصراره من الإقلاع عنه فلا يزال يهوي به في مهاوي الضلالة حتَّى يبلغ به إلى غاية التخلّق بالضلال فلا ينكفّ عنه.
وهذا ممّا أشار إليه قوله تعالى :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ﴾ [ التين : ٤، ٥ ]، ودلّ عليه قول النبي ﷺ " إنّ الرجل ليَصْدُق حتَّى يكون صدّيقاً وإنّ الرجل ليكذب حتَّى يُكتب عند الله كذّاباً " وكلّ هذا من تصرّف الله تعالى بالتكوين والخلق وهو تصرّف القدر.