وقال ابن عطية :
﴿ من الجاهلين ﴾ يحتمل في أن لا يعلم أن الله ﴿ لو شاء لجمعهم ﴾ ويحتمل في أن تهتم بوجود كفرهم الذي قدره وأراده، وتذهب به لنفسك إلى مالم يقدر الله به، يظهر تباين ما بين قوله تعالى لمحمد ﷺ ﴿ فلا تكونن من الجاهلين ﴾ وبين قوله لنوح عليه السلام ﴿ إني أعظك أن تكون من الجاهلين ﴾ [ هود : ٤٦ ] وقد تقرر أن محمداً ﷺ أفضل الأنبياء، قال مكي والمهدي : والخطاب بقوله ﴿ فلا تكونن من الجاهلين ﴾ للنبي عليه السلام والمراد به أمته، وهذا ضعيف لا يقتضيه اللفظ، وقال قوم : وقر نوح لسنه وشيبته، وقال قوم : جاء الحمل أشد على محمد ﷺ لقربه من الله تعالى ومكانته عنده كما يحمل العاقب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب.
قال القاضي أبو محمد : والوجه القوي عندي في الآية هو أن ذلك لم يجيء بحسب النبيين وإنما جاء بحسب الأمرين اللذين وقع النهي عنهما والعتاب فيهما وبين أن الأمر الذي نهى عنه محمد ﷺ أكبر قدراً وأخطر مواقعة من الأمر الذي واقعه نوح صلى الله عليه وسلم. (١) أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال الثعالبى :
وقال مَكّي، والمَهْدوي : الخِطَابُ بقوله :﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين ﴾ للنبي ﷺ والمُرَادُ أمته، وهذا ضَعِيفٌ لا يقتضيه اللفظ. قلت وما قاله * ع * : فيه عندي نَظَرٌ ؛ لأن هذا شَأْنُ التأويل إخراج اللَّفْظِ عن ظاهره لموجب، عَلَى أن أَبَا محمد مَكِّيًّا رحمه اللَّه نَقَلَ هذا القول عن غيره نَقْلاً، ولفظه :﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين ﴾ أي : ممن لا يعلم أن اللَّه لو شَاءَ لَجَمَعَ على الهُدَى جميع خَلْقِهِ.
وقيل : معنى الخطاب لأُمَّةِ النبي ﷺ والمعنى : فلا تكونوا من الجاهلين، ومثله في القرآن كثير. انتهى من "الهِدَايَةِ". أ هـ ﴿الجواهر الحسان حـ ١ صـ ﴾
_________
قد يجاب عن ذلك بأن شدة حرص رسول ( ﷺ ) على هداية قومه ونجاتهم من النار كانت أكثر من حرص نوح ـ عليه السلام ـ على نجاة ابنه يدل على ذلك قوله تعالى فى سورة الكهف ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦) ﴾ وقوله تعالى فى سورة الشعراء ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) ﴾ والمعنى والله أعلم : أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزنا لعدم إيمان القوم.
وفى صعيد القيامة لا يذكر أحد أحداً وجميع الأنبياء ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) بما فيهم نوح ـ عليه السلام ـ يقول كل واحد منهم : نفسى نفسى ورسول الله ( ﷺ ) يقول : أمتى أمتى.
لذا كان الفرق بين خطاب رسول الله ( ﷺ ) بقوله تعالى فى سورة الأنعام ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ وخطاب نوح ـ عليه السلام ـ بقوله تعالى فى سورة هود ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) ﴾ والله أعلم.