ولما كان استئصالهم من أجل النعم على من عادوهم فيه من الرسل عليهم السلام وأتباعهم رضي الله عنهم، نبه على ذلك بالجملة مع ما يشير إليه من ظهور الاستغناء المطلق فقال :﴿والحمد﴾ أي قطع أمرهم كله والحال أن الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ المتفرد بنعوت الجلال والجمال ﴿رب العالمين﴾ الموجد لهم أجمعين، أي له ذلك كله بعد فناء الخلق على أيّ صفة كانوا من إيمان أو كفر، كما كان له ذلك قبل وجودهم وعند خلقهم على كل من حالتيهم - كما أشير إليه بأول السورة، فكأنه قيل : الكمال لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، فقطع دابرهم، والكمال له لم يتغير، لأنه لا يزيده وجود موجود، ولا ينقصه فقد مفقود، فهو محمود حال الإعدام والمحق كما كان محموداً حال الإيجاد والخلق، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإنه لا يخرج شيء عن إيمانهم ولا كفرانهم عن إرادته سبحانه، فلا عليك منهم اقترحوا الآيات أولا، فإنه ليس عليك إلا البلاغ. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٣٧﴾
فصل
قال الفخر :
﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا﴾ الدابر التابع للشيء من خلفه كالولد للوالد يقال : دبر فلان القوم يدبرهم دبوراً ودبراً إذا كان آخرهم.
قال أُمية بن أبي الصلت :
فاستؤصلوا بعذاب حص دابرهم.. فما استطاعوا له صرفا ولا نتصروا
وقال أبو عبيدة : دابر القوم آخرهم الذي يدبرهم.
وقال الأصمعي الدابر الأصل يقال قطع الله دابره أي أذهب الله أصله.
وقوله :﴿والحمد لله ربّ العالمين﴾ فيه وجوه :
الأول.
معناه أنه تعالى حمد نفسه على أن قطع دابرهم واستأصل شأفتهم لأن ذلك كان جارياً مجرى النعمة العظيمة على أولئك الرسل في إزالة شرهم عن أولئك الأنبياء.