قوله تعالى :﴿ قل أرأيتم ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين :﴿ إن أخذ الله سمعكم ﴾ يعني الذي تسمعون به فأصمكم حتى لا تسمعوا شيئاً ﴿ وأبصاركم ﴾ يعني وأخذ أبصاركم التي تبصرون بها فأعماكم حتى لا تبصروا شيئاً أصلاً ﴿ وختم على قلوبكم ﴾ يعني لا تفقهوا شيئاً أصلاً ولا تعرفوا شيئاً مما تعرفون من أمور الدنيا.
وإنما ذكر هذه الأعضاء الثلاثة، لأنها أشرف أعضاء الإنسان فإذا تعطلت هذه الأعضاء، اختل نظام الإنسان وفسد أمره وبطلت مصالحه في الدين والدنيا.
ومقصود هذا الكلام ذكر ما يدل على وجود الصانع الحكيم المختار وتقريره أن القادر على إيجاد هذه الأعضاء وأخذها هو الله تعالى المستحق للعبادة لا الأصنام التي تعبدونها وهو قوله تعالى :﴿ من إله غير الله يأتيكم به ﴾ يعني يأتيكم بما أخذ الله منكم لأن الضمير في به يعود على معنى الفعل ويجوز أن يعود على السمع الذي ذكر أولاً ويندرج تحته غيره ﴿ انظر ﴾ الخطاب للنبي ﷺ ويدخل معه غيره أن انظر يا محمد ﴿ كيف نصرف الآيات ﴾ يعني كيف نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد والنبوة ﴿ ثم هم يصدفون ﴾ يعني يعرضون عنها مكذبين لها. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿ قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ﴾
لما ذكر أولاً تهديدهم بإتيان العذاب أو الساعة كان ذلك أعظم من هذا التهديد، فأكد خطاب الضمير بحرف الخطاب فقيل أرأيتكم ولما كان هذا التهديد أخف من ذلك لم يؤكد به، بل اكتفى بخطاب الضمير فقيل ﴿ أرأيتم ﴾ وفي تلك وهذه الاستدلال على توحيد الله تعالى وأنه المتصرف في العالم الكاشف للعذاب والراد لما شاء بعد الذهاب، وأن آلهتهم لا تغني عنهم شيئاً والظاهر من قوله ﴿ أخذ سمعكم وأبصاركم ﴾ أنه ذهاب الحاسة السمعية والبصرية فيكون أخذاً حقيقياً.


الصفحة التالية