وقال الآلوسى :
﴿ وَمَا نُرْسِلُ المرسلين ﴾ إلى الأمم ﴿ إِلاَّ مُبَشّرِينَ ﴾ من أطاع منهم بالثواب ﴿ وَمُنذِرِينَ ﴾ من عصى منهم بالعذاب، واقتصر بعضهم على الجنة والنار لأنهما أعظم ما يبشر به وينذر به، والمتعاطفان منصوبان على أنهما حالان مقدرتان مفيدتان للتعليل.
وصيغة المضارع للإيذان بأن ذلك أمر مستمر جرت عليه العادة الإلهية، والآية مرتبطة بقوله سبحانه :﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٧ ] أي ما نرسل المرسلين ألا لأجل أن يبشروا قومهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعذاب على المعصية ولم نرسلهم ليقترح عليهم ويسخر بهم ﴿ فَمَنْ ءامَنَ ﴾ بما يجب الإيمان به ﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ ما يجب إصلاحه والإتيان به على وفق الشريعة، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها و( من ) موصولة ولشبه الموصول بالشرط دخلت الفاء في قوله سبحانه :﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من العذاب الذي أنذر الرسل به ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ لفوات الثواب الذي بشروا به، وقد تقدم الكلام في هذه الآية غير مرة، وجمع الضمائر الثلاثة الراجعة إلى ( من ) باعتبار معناها كما أن إفراد الضميرين السابقين باعتبار لفظها. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾
عطف على جملة ﴿ انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون ﴾ [ الأنعام : ٤٦ ].
والمناسبة أنّ صدوفهم وإعراضهم كانوا يتعلّلون له بأنَّهم يَرُومون آيات على وفق مقترحهم وأنَّهم لا يقنعون بآيات الوحدانية، ألا ترى إلى قولهم :﴿ لن نؤمن لك حتّى تفجِّر لنا من الأرض ينبوعاً ﴾ [ الإسراء : ٩٠ ] إلى آخر ما حكي عنهم في تلك الآية، فأنبأهم الله بأنّ إرسال الرسل للتبليغ والتبشير والنذارة لا للتّلهّي بهم باقتراح الآيات.
وعُبِّر بـ ﴿ نُرسل ﴾ دون ﴿ أرسلنا ﴾ للدلالة على تجدّد الإرسال مقارناً لهذين الحالين، أي ما أرسلنا وما نرسل، فقوله :﴿ مُبشّرين ومنذرين ﴾ حالان مقدّرتان باعتبار المستقبل ومحقّقتان باعتبار الماضي.
والاستثناء من أحوال محذوفة، أي ما أرسلناهم إلاّ في حالة كونهم مبشّرين ومنذرين.