وقال الآلوسى :
﴿ والذين كَذَّبُواْ بآياتنا ﴾ أي التي بلغتها الرسل عليهم الصلاة والسلام عند التبشير والإنذار، وقيل : المراد بها نبينا ﷺ ومعجزاته ؛ والأول هو الظاهر، والموصول مبتدأ وقوله تعالى :﴿ يَمَسُّهُمُ العذاب ﴾ خبره والجملة عطف على ﴿ فَمَنْ ءامَنَ ﴾ [ الأنعام : ٤٨ ] الخ.
والمراد بالعذاب العذاب الذي أنذروه عاجلاً أو آجلاً أو حقيقة العذاب وجنسه المنتظم لذلك انتظاماً أولياً ؛ وفي جعله ماساً إيذان بتنزيله منزلة الحي الفاعل لما يريد ففيه استعارة مكنية على ما قيل.
وجوز الطيبي أن يكون في المس استعارة تبعية من غير استعارة في العذاب، والظاهر أن ما ذكر مبني على أن المس من خواص الأحياء.
وفي "البحر" أنه يشعر بالاختيار، ومنع ذلك بعضهم، وادعى عصام الملة أنه أشير بالمس إلى أن العذاب لا يأخذهم بحيث يعدمهم حتى يتخلصوا بالهلاك وله وجه.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ أي بسبب فسقهم.
نعم أخرج ابن جرير عن ابن زيد "أن كل فسق في القرآن معناه الكذب"، ولعله في حيز المنع وخروجهم المستمر عن حظيرة الإيمان والطاعة، وقد يقال : الفاسق لمن خرج عن التزام بعض الأحكام لكنه غير مناسب ههنا. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
المسُّ حقيقته مباشرة الجسم باليد وهو مرادف اللمس والجسّ، ويستعار لإصابة جسم جسماً آخر كما في هذه الآية.
وقد تقدّم في قوله تعالى :﴿ ليَمَسَّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم ﴾ في سورة [ المائدة : ٧٣ ].
ويستعار أيضاً للتَّكيّف بالأحوال كما يقال : به مسّ من الجنون.
قال تعالى :﴿ إنّ الذين اتَّقوا ءا مسَّهم طائف من الشيطان تذكَّروا فإذا هم مبصرون ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ].
وجمع الضمائر العائدة إلى ( مَنْ ) مراعاة لمعناها، وأمَّا إفراد فعل ﴿ آمن ﴾ و﴿ أصلح ﴾ فلرعي لفظها.
والباء للسببية، و( ما ) مصدرية، أي بسبب فسقهم.
والفسق حقيقته الخروج عن حدّ الخير.
وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى.
وتقدّم تفصيله عند قوله تعالى :﴿ وما يضلّ به إلاّ الفاسقين ﴾ في سورة [ البقرة : ٢٦ ].
وجيء بخبر ( كان ) جملة مضارعية للإشارة إلى أنّ فسقهم كان متجدّداً متكرّراً، على أنّ الإتيان بـ ( كان ) أيضاً للدلالة على الاستمرار لأنّ ( كان ) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلَّت على استمرار الخبر بالقرينة، كقوله تعالى :﴿ وكان الله غفوراً رحيما ﴾ [ النساء : ٩٦ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾