والقلب الذي لا ترده الشدة إلى الله قلب تحجر فلم تعد فيه نداوة تعصرها الشدة! ومات فلم تعد الشدة تثير فيه الإحساس! وتعطلت أجهزة الاستقبال الفطرية فيه، فلم يعد يستشعر هذه الوخزة الموقظة، التي تنبه القلوب الحية للتلقي والاستجابة. والشدة ابتلاء من الله للعبد ؛ فمن كان حياً أيقظته، وفتحت مغاليق قلبه، وردته إلى ربه ؛ وكانت رحمة له من الرحمة التي كتبها الله على نفسه.. ومن كان ميتاً حسبت عليه، ولم تفده شيئاً، وإنما أسقطت عذره وحجته، وكانت عليه شقوة، وكانت موطئة للعذاب!
وهذه الأمم التي يقص الله - سبحانه - من أنبائها على رسوله - ﷺ - ومن وراءه من أمته.. لم تفد من الشدة شيئاً. لم تتضرع إلى الله، ولم ترجع عما زينه لها الشيطان من الإعراض والعناد.. وهنا يملي لها الله - سبحانه - ويستدرجها بالرخاء :
﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء. حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة، فإذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين ﴾..
إن الرخاء ابتلاء آخر كابتلاء الشدة. وهو مرتبة أشد وأعلى من مرتبة الشدة! والله يبتلي بالرخاء كما يبتلي بالشدة. يبتلي الطائعين والعصاة سواء. بهذه وبذاك سواء.. والمؤمن يبتلى بالشدة فيصبر، ويبتلى بالرخاء فيشكر. ويكون أمره كله خيراً.. وفي الحديث :" عجباً للمؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " ( رواه مسلم ).
فأما هذه الأمم التي كذبت بالرسل، والتي يقص الله من أنبائها هنا.
فإنهم لما نسوا ما ذكروا به، وعلم الله - سبحانه - أنهم مهلكون، وابتلاهم بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا.. فأما هؤلاء فقد فتح عليهم أبواب كل شيء للاستدراج بعد الابتلاء..