وإذا كان الله قد رفع عذاب الاستئصال بعد بعثة رسول الله - ﷺ - فهناك ألوان من العذاب باقية. والبشرية - وبخاصة الأمم التي فتحت عليها أبواب كل شيء - تذوق منها الكثير. على الرغم من هذا النتاج الوفير، ومن هذا الرزق الغزير!
إن العذاب النفسي، والشقاء الروحي، والشذوذ الجنسي، والانحلال الخلقي.. الذي تقاسي منه هذه الأمم اليوم، ليكاد يغطي على الإنتاج والرخاء والمتاع ؛ وليكاد يصبغ الحياة كلها بالنكد والقلق والشقاء! ذلك إلى جانب الطلائع التي تشير إليها القضايا الأخلاقية السياسية، التي تباع فيها أسرار الدولة، وتقع فيها الخيانة للأمة، في مقابل شهوة أو شذوذ.. وهي طلائع لا تخطىء على نهاية المطاف!
وليس هذا كله إلا بداية الطريق.. وصدق رسول الله - ﷺ - قال :" إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا - على معاصيه - ما يحب. فإنما هو استدراج ". ثم تلا ﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء. حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ﴾.. ( رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم ).
غير أنه ينبغي، مع ذلك، التنبيه إلى أن سنة الله في تدمير ( الباطل ) أن يقوم في الأرض ( حق ) يتمثل في ( أمة ).. ثم يقذف الله بالحق على الباطل فيدمغه فإذاهو زاهق.. فلا يقعدنّ أهل الحق كسالى يرتقبون أن تجري سنة الله بلا عمل منهم ولا كد. فإنهم حينئذ لا يمثلون الحق، ولا يكونون أهله.. وهم كسالى قاعدون.. والحق لا يتمثل إلا في أمة تقوم لتقر حاكمية الله في الأرض، وتدفع المغتصبين لها من الذين يدعون خصائص الألوهية.


الصفحة التالية
Icon