وإنّما تركت التاء على حالة واحدة لأنّه لمَّا جعلتْ ذاتُ الفاعل ذات المفعول إعراباً وراموا أن يجعلوا هذا التركيب جارياً مجرى المثل في كونه قليل الألفاظ وافر المعنى تجنّبوا ما يحدثه الجمع بين ضميري خطاب مرفوع ومنصوب من الثقل في نحو أرأيتما كُما، وأرأيتُمْكُم وأريْتُنُّكُنّ، ونحو ذلك، سلكوا هذه الطريقة الغريبة فاستغنوا بالاختلاف حالة الضمير الثاني عن اختلاف حالة الضمير الأول اختصاراً وتخفيفاً، وبذلك تأتَّى أن يكون هذا التركيب جارياً مجرى المثل لما فيه من الإيجاز تسهيلاً لشيوع استعماله استعمالاً خاصّاً لا يغيّر عنه، فلذلك لا تكسر تلك التاء في خطاب المؤنّث ولا تضمّ في خطاب المثنّى والمجموع.
وعن الأخفش : أخرجت العرب هذا اللفظ من معناه بالكلية فألزمته الخطاب، وأخرجته عن موضوعه إلى معنى ( أمّا ) بفتح الهمزة، فجعلت الفاء بعده في بعض استعمالاته كقوله تعالى :﴿ أرأيتَ إذْ أويْنَا إلى الصخرة فإنّي نسيت الحوت ﴾ [ الكهف : ٦٣ ] فما دخلت الفاء إلاّ وقد أخرجت ( أرأيت ) لمعنى ( أمّا ) ؛ وأخرجته أيضاً إلى معنى ( أخبرني ) فلا بد بعده من اسم المستخبر عنه ؛ وتلزم الجملة بعد الاستفهام، وقد يخرج لهذا المعنى وبعده الشرط وظرففِ الزمان.
اه.
في "الكشاف" : متعلِّق الاستخبار محذوف، تقديره : إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون، ثم بكتهم بقوله ﴿ أغير الله تدعون ﴾، أي أتخصّون آلهتكم بالدعوة أم تدعون الله دونها بل إيَّاه تدعون أ هـ.
وجملة :﴿ أغير الله تدعون ﴾ هي المفعول الثاني لفعل ﴿ أرأيتكم ﴾.
واعلم أنّ هذا استعمال خاصّ بهذا التركيب الخاصّ الجاري مجرى المثل، فأمّا إذا أريد جريان فعل الرؤية العلمية على أصل بابه فإنَّه يجري على المتعارف في تعدية الفعل إلى فاعله ومفعوليه.
فمن قال لك : رأيتُني عالماً بفلان.
فأردت التحقّق فيه تقول : أرأيتَك عالماً بفلان.


الصفحة التالية
Icon