والقول الثاني : أن القوم كانوا يقترحون منه إظهار المعجزات القاهرة القوية، كقولهم ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا﴾ [ الإسراء : ٩٠ ] إلى آخر الآية فقال تعالى في آخر الآية ﴿قُلْ سبحان رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً﴾ [ الإسراء : ٩٣ ] يعني لا أدعي إلا الرسالة والنبوّة، وأما هذه الأمور التي طلبتموها، فلا يكن تحصيلها إلا بقدرة الله، فكان المقصود من هذا الكلام إظهار العجز والضعف وأنه لا يستقل بتحصيل هذه المعجزات التي طلبوها منه.
والقول الثالث : أن المراد من قوله ﴿لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ الله﴾ معناه إني لا أدعي كوني موصوفاً بالقدرة اللائقة بالإله تعالى.
وقوله ﴿وَلا أَعْلَمُ الغيب﴾ أي ولا أدعي كوني موصوفاً بعلم الله تعالى.
وبمجموع هذين الكلامين حصل أنه لا يدعي الإلهية.
ثم قال :﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ﴾ وذلك لأنه ليس بعد الإلهية درجة أعلى حالاً من الملائكة، فصار حاصل الكلام كأنه يقول لا أدعي الإلهية ولا أدعي الملكية ولكني أدعي الرسالة، وهذا منصب لا يمتنع حصوله للبشر، فكيف أطبقتم على استنكار قولي ودفع دعواي ؟. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٩٠ ـ ١٩١﴾