و﴿ إِنّى مَلَكٌ ﴾ لما كان حالهما معلوماً عند الناس لم يكن حاجة إلى نفيهما وإنما الحاجة إلى نفي ادعائهما تبرياً عن دعوى الباطل، ومفهوم ﴿ أَنّى لاَ أَعْلَمُ الغيب ﴾ لما لم يكن معلوماً احتيج هنا إلى نفيه فدعوى أنه لا فائدة في الإخبار بذلك منظور فيها.
والذي اختاره مولانا شيخ الإسلام القول الأول وأن المعنى "ولا أدعي أيضاً أني أعلم الغيب من أفعاله عز وجل حتى تسألوني عن وقت الساعة أو وقت إنزال العذاب أو نحوهما.
وخص ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الغيب بعاقبة ما يصيرون إليه أي لا أدعي ذلك ولا أدعي أيضاً الملكية حتى تكلفوني من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر من الرقي في السماء ونحوه أو تعدوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحاً في أمري كما ينبىء عنه قولهم :
﴿ مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى فِى الأسواق ﴾ [ الفرقان : ٧ ] وليس في الآية على هذا دليل على تفضيل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما هو محل النزاع كما زعم الجبائي لأنها إنما وردت رداً على الكفار في قولهم ﴿ مالِ هذَا الرَّسُولِ ﴾ الخ وتكليفهم له عليهم الصلاة والسلام بنحو الرقي في السماء.
ونحن لا ندعي تميز الأنبياء على الملائكة عليهم الصلاة والسلام في عدم الأكل مثلا والقدرة على الأفاعيل الخارقة كالرقي ونحوه ولا مساواتهم لهم في ذلك بل كون الملائكة متميزين عليهم عليهم الصلاة والسلام في ذلك مما أجمع عليه الموافق والمخالف ولا يوجب ذلك اتفاقاً على أن الملائكة أفضل منهم بالمعنى المتنازع فيه وإلا لكان كثير من الحيوانات أفضل من الإنسان ولا يدعي ذلك الاجماد.
وهذا الجواب أظهر مما نقل عن القاضي زكريا من أن هذا القول منه ﷺ من باب التواضع وإظهار العبودية نظير قوله عليه الصلاة والسلام :" لا تفضلوني على ابن متى " في رأي بل هو ليس بشيء كما لا يخفى.