وقال ابن عاشور :
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾
لمّا تقضّت المجادلة مع المشركين في إبطال شركهم ودحْض تعاليل إنكارهم نبوءة محمد ﷺ بأنَّهم لا يؤمنون بنبوءته إلاّ إذا جاء بآية على وفق هواهم، وأبطلت شبهتهم بقوله :﴿ وما نرسل المرسلين إلاّ مبشِّرين ومنذرين ﴾ [ الأنعام : ٤٨ ] وكان محمد ﷺ ممَّن شمله لفظ المرسلين، نقل الكلام إلى إبطال معاذيرهم فأعلمهم الله حقيقة الرسالة واقترانها بالآيات فبيّن لهم أنّ الرسول هو الذي يتحدّى الأمّة لأنّه خليفة عن الله في تبليغ مراده من خلقه، وليست الأمّة هي التي تتحدّى الرسول، فآية صدق الرسول تجيء على وفق دعواه الرسالة، فلو أدّعى أنّه مَلك أو أنّه بُعث لإنقاذ الناس من أرزاء الدنيا ولإدناء خيراتها إليهم لكان من عذرهم أن يسألوه آيات تؤيِّد ذلك، فأمّا والرسول مبعوث للهدى فآيته أن يكون ما جاء به هو الهدى وأن تكون معجزته هو ما قارن دعوته ممّا يعجز البشر عن الإتيان بمثله في زمنهم.
فقوله ﴿ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ﴾ استئناف ابتدائي انتقل به الكلام من غرض إلى غرض.
وافتتاح الكلام بالأمر بالقول للاهتمام بإبلاغه، كما تقدّم عند قوله تعالى :﴿ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ﴾ [ الأنعام : ٤٠ ].
وقد تكرّر الأمر بالقول من هنا إلى قوله ﴿ لكلّ نبأ مستقرّ ﴾ [ الأنعام : ٦٧ ] اثنتي عشرة مرة.
والاقتصار على نفي ادّعاء هذه الثلاثة المذكورة في الآية ناظر إلى ما تقدّم ذكره من الآيات التي سألوها من قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا أنز ل عليه ملَك ﴾ [ الأنعام : ٨ ] وقوله :﴿ ولو نَزّلنا عليك كتاباً في قرطاس ﴾ [ الأنعام : ٧ ] وقوله :﴿ فإن استطعتَ أن تَبْتَغِي نَفَقاً في الأرض ﴾ [ الأنعام : ٣٥ ] الآية.


الصفحة التالية
Icon