وقال الآلوسى :
﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ ﴾ أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي من غير أن يكون لي مدخل ما في الوحي أو في الموحي بطريق الاستدعاء أو بوجه آخر من الوجوه أصلاً.
وحاصله إني عبد يمتثل أمر مولاه ويتبع ما أوحاه ولا أدعي شيئاً من تلك الأشياء حتى تقترحوا عليّ ما هو من آثارها وأحكامها وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك دليلاً على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة.
ولا يخفى أن هذا أبلغ من إني نبي أو رسول ولذا عدل إليه.
ولا دلالة فيه لنفاة القياس ولا لمانعي جواز اجتهاده عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى.
وذهب البعض إلى أن المقصود من هذا الرد على الكفرة كأنه قيل : إن هذه دعوى وليست مما يستبعد إنما المستبعد ادعاء البشر الألوهية أو الملكية ولست أدعيهما.
وقد علمت آنفاً ما في دعوى أن المقصود مما تقدم نفي ادعاء الألوهية والملكية.
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير ﴾ أي الضال والمهتدي على الإطلاق كما قال غير واحد.
والإستفهام إنكاري، والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق ومن يعلمها مع الإشعار بكمال ظهورها والتنفير عن الضلال والترغيب في الاهتداء، وتكرير الأمر ( لتثبيت ) التبكيت وتأكيد الإلزام.
﴿ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه أو أتسمعونه فلا تتفكرون.
والاستفهام ( للتقرير ) والتوبيخ.
والكلام داخل تحت الأمر.
ومناط التوبيخ عدم الأمرين على الأول وعدم التفكر مع تحقق ما يوجبه على الثاني.
وذكر بعضهم أن في ﴿ الأعمى والبصير ﴾ ثلاث احتمالات إما أن يكونا مثالاً للضال والمهتدي أو مثالاً للجاهل والعالم أو مثالاً لمدعي المستحيل كالألوهية والملكية ومدعى المستقيم كالنبوة.
وإن المعنى لا يستوي هذان الصنفان أفلا تتفكرون في ذلك فتهتدوا أي فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه.
والجملة تذييل لما مضى إما من أول السورة إلى هنا أو لقوله سبحانه :﴿ إِنْ أَتَّبِعُ ﴾ الخ أو لقوله عز شأنه ﴿ لا أَقُولَ ﴾.
ورجح في "الكشف" الأول ثم الثاني.
ولا يخفى بعد هذا الترجيح.
واعترض القول بإحالة الملكية بأنها من الممكنات لأن الجواهر متماثلة والمعاني القائمة ببعضها يجوز أن تقوم بكلها.


الصفحة التالية
Icon