وقال أبو السعود :
﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبّهِمْ ﴾
بعد ما حكي لرسول الله ﷺ أن من الكفرة قوماً لا يتعظون بتصريف الآيات الباهرة، ولا يتأثرون بمشاهدة المعجزات القاهرة، قد إيفت مشاعرُهم بالكلية، والتحقوا بالأموات، وقرَّر ذلك بأن كرَّر عليهم من فنون التبكيت والإلزام ما يُلقِمُهم الحجرَ أيَّ إلقامٍ فأبَوا إلا الإباءَ والنكيرَ، وما نجَع فيهم عِظةٌ ولا تذكير، وما أفادهم الإنذارُ إلا إصراراً على الإنكار، أُمر عليه الصلاة والسلام بتوجيه الإنذار إلى مَنْ يتوقعُ منهم التأثرَ في الجملة وهم المجوِّزون منهم لحشر على الوجه الآتي، سواء كانوا جازمين بأصله كأهل الكتاب وبعضِ المشركين المعترفين بالبعث، المتردِّدين في شفاعة آبائهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالأولين أو في شفاعة الأصنام كالآخِرين أو متردّدين فيهما معاً كبعض الكفرة الذين يُعلم من حالهم أنهم إذا سمعوا بحديث البعث يخافون أن يكون حقاً، وأما المنكرون للحشر رأساً والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم أو بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن أُمر بإنذراهم، وقد قيل : هم المفرِّطون في الأعمال من المؤمنين، ولا يساعده سِباقُ النظم الكريم ولا سياقه، بل فيه ما يقضي باستحالة صحته كما ستقف عليه، والضميرُ المجرورُ لما يوحى أو لما دل هو عليه من القرآن، والمفعولُ الثاني للإنذار إما العذابَ الأخرويَّ المدلولَ عليه بما في حيز الصلة وإما مطلقَ العذاب الذي ورد به الوعيدُ، والتعرّضُ لعنوان الربوبية المُنْبئة عن المالكيةِ المطلقةِ والتصرّف الكليِّ لتربية المهابة وتحقيق المخافة، وقوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ في حيز النصْب على الحالية من ضمير ( يُحشروا )، و( من ) متعلقةٌ بمحذوف وقع حالاً من اسم ليس، لأنه في الأصل صفة له فلما قدم عليه انتصب حالاً، خلا أن الحال الأولى لإخراج الحشر الذي لم يقيد بها عن حيز الخوف، وتحقيقِ أن ما نيط به الخوفُ


الصفحة التالية
Icon