وفي مواجهة هذين المشهدين الرائعين الهائلين يتحدث إليهم عن وظيفة الرسل.. إنها البشارة والنذارة.. ليس وراء ذلك شيء.. ليس لهم أن يأتوا بالخوارق، ولا أن يستجيبوا لمقترحات المقترحين! إنما هم يبلغون. يبشرون وينذرون. ثم يؤمن فريق من الناس ويعمل صالحاً فيأمن الخوف وينجو من الحزن. ويكذب فريق ويعرض فيمسه العذاب بهذا الإعراض والتكذيب. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.. فهذا هو المصير..
﴿ قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة، أغير الله تدعون - إن كنتم صادقين - بل إياه تدعون، فيكشف ما تدعون إليه - إن شاء - وتنسون ما تشركون ﴾..
هذا طرف من وسائل المنهج الرباني في خطاب الفطرة الإنسانية بهذه العقيدة يضم إلى ذلك الطرف الذي سبق بيانه في الفقرة السابقة وفيما قبلها وما بعدها كذلك في سياق السورة.
لقد خاطبها هناك بما في عوالم الأحياء من آثار التدبير الإلهي والتنظيم ؛ وبما في علم الله من إحاطة وشمول. وهو هنا يخاطبها ببأس الله ؛ وبموقف الفطرة إزاءه حين يواجهها في صورة من صوره الهائلة، التي تهز القلوب، فيتساقط عنها ركام الشرك ؛ وتتعرى فطرتها من هذا الركام الذي يحجب عنها ما هو مستقر في أعماقها من معرفتها بربها، ومن توحيدها له أيضاً :
﴿ قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة.. أغير الله تدعون.. إن كنتم صادقين ﴾..
إنها مواجهة الفطرة بتصور الهول.. عذاب الله في الدنيا عذابَ الهلاك والدمار ؛ أو مجيء الساعة على غير انتظار.
. والفطرة حين تلمس هذه اللمسة ؛ وتتصور هذا الهول ؛ تدرك - ويعلم الله سبحانه أنها تدرك - حقيقة هذا التصور، وتهتز له ؛ لأنه يمثل حقيقة كامنة فيها، يعلم بارئها سبحانه أنها كامنة فيها ويخاطبها بها على سبيل التصور ؛ فتهتز لها وترتجف وتتعرى!
وهو يسألهم ويطلب إليهم الجواب بالصدق من ألسنتهم ؛ ليكون تعبيراً عن الصدق في فطرتهم :
﴿ أغير الله تدعون.. إن كنتم صادقين ﴾.