والمراد : أنّ الله قدّم لهم عذاباً هيّناً قبل العذاب الأكبر، كما قال :﴿ ولنذيقنّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون ﴾ [ السجدة : ٢١ ] وهذا من فرط رحمته الممازجة لمقتضى حكمته ؛ وفيه إنذار لقريش بأنّهم سيصيبهم البأساء والضرّاء قبل الاستئصال، وهو استئصال السيف.
وإنّما اختار الله أن يكون استئصالهم بالسيف إظهاراً لكون نصر الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم كان بيده ويد المصدّقين به.
وذلك أوقع على العرب، ولذلك روعي حال المقصودين بالإنذار وهم حاضرون.
فنزّل جميع الأمم منزلتهم، فقال :﴿ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
في الآية محذوف والتقدير : ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلاً فخالفوهم فأخذناهم بالبأساء والضراء، وحسن الحذف لكونه مفهوماً من الكلام المذكور.
وقال الحسن ( البأساء ) شدة الفقر من البؤس ( والضراء ) الأمراض والأوجاع.
ثم قال :﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ والمعنى : إنما أرسلنا الرسل إليهم وإنما سلطنا البأساء والضراء عليهم لأجل أن يتضرعوا.
ومعنى التضرع التخشع وهو عبارة عن الانقياد وترك التمرد، وأصله من الضراعة وهي الذلة، يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة فهو ضارع أي ذليل ضعيف، والمعنى أنه تعالى أعلم نبيه أنه قد أرسل قبله إلى أقوام بلغوا في القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، والمقصود منه التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل : أليس قوله ﴿بَلْ إياه تَدْعُونَ﴾ يدل على أنهم تضرعوا ؟ وههنا يقول : قست قلوبهم ولم يتضرعوا.
قلنا : أولئك أقوام، وهؤلاء أقوام آخرون.
أو نقول أولئك تضرعوا لطلب إزالة البلية ولم يتضرعوا على سبيل الإخلاص لله تعالى فلهذا الفرق حسن النفي والإثبات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٨٥﴾


الصفحة التالية
Icon