وتقديم الظرف المضاف مع جملته على عامله في قوله ﴿ إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ﴾ للاهتمام بمضمون جملته، وأنّه زمن يحقّ أن يكون باعثاً على الإسراع بالتضرّع ممّا حصل فيه من البأس.
والبأس تقدّم عند قوله تعالى :﴿ وحين البأس ﴾ في سورة [ البقرة : ١٧٧ ].
والمراد به هنا الشدّة على العدوّ وغلبته.
ومجيء البأس : مجيء أثره، فإنّ ما أصابهم من البأساء والضرّاء أثر من آثار قوّة قدرة الله تعالى وغلبه عليهم.
والمجيء مستعار للحدوث والحصول بعد أن لم يكن تشبيهاً لحدوث الشيء بوصول القادم من مكان آخر بتنقّل الخطوات.
ولمّا دلّ التوبيخ أو التمنّي على انتفاء وقوع الشيء عطف عليه بـ ( لَكِنْ ) عطفاً على معنى الكلام، لأنّ التضرّع ينشأ عن لين القلب فكان نفيه المفاد بحرف التوبيخ ناشئاً عن ضدّ اللين وهو القساوة، فعطف بلكن }.
والمعنى : ولكن اعتراهم ما في خلقتهم من المكابرة وعدم الرجوع عن الباطل كأنّ قلوبهم لا تتأثّر فشبّهت بالشيء القاسي.
والقسوة : الصلابة.
وقد وجد الشيطان من طباعهم عوناً على نفث مراده فيهم فحسّن لهم تلك القساوة وأغراهم بالاستمرار على آثامهم وأعمالهم.
ومن هنا يظهر أنّ الضلال ينشأ عن استعداد الله في خلقة النفس.
والتزيين : جعل الشيء زَيْنا.
وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ زيّن للناس حبّ الشهوات ﴾ في سورة [ آل عمران : ١٤ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾

فصل


قال الفخر :
احتج الجبائي بقوله ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ فقال : هذا يدل على أنه تعالى إنما أرسل الرسل إليهم، وإنما سلّط البأساء والضرّاء عليهم، لإرادة أن يتضرعوا ويؤمنوا، وذلك يدل على أنه تعالى أراد الإيمان والطاعة من الكل.


الصفحة التالية