ومن فوائد الشيخ الشعراوى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾
نحن هنا أمام " بعضين " : بعض قد استعلى أن يجتمع ببعض آخر مستضعف عند رسول أرسله الله. ويمتحن الله البعض بالفتنة، والفتنة هي الاختبار. إن بعضاً من الناس يظن أن الفتنة أمر مذموم، لا، إن الفتنة لا تذم لذاتها، وإنما تذم لما تؤول إليه. فالاختبار - إذن - لا يذم لذاته، وإنما يذم لما يؤول إليه. وتأتي الفتنة ليُرى صدق اليقين الإيماني، وها هوذا الحق سبحانه وتعالى يقول :﴿ أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين ﴾ [ العنكبوت : ٢-٣ ].
إن الحق سبحانه يختبر مدى صدق الإنسان حين يعلن الإيمان، إنه - سبحانه - يختبرهم بالمحن والنعم، وقد اختبر الحق الأمم السابقة بالتكاليف والنعم والمحن ويظهر ويبرز إلى الوجود ما سبق أن علمه سبحانه أزلاً، ويميز أهل الصدق في الإيمان عن الكاذبين في الإيمان. فمن صبر على الاختبار والفتنة فقد ثبت صدقه ويقينه، ومن لم يصبر فقد دّل بعمله هذا على أنه كان يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ورضي، وإن أصابه شر وفتنة انقلب على وجهه ونكص على عقبيه فخسر الدنيا والآخرة.
إذن فالفتنة مجرد اختبار. والوجود الذي نراه مبني كله على المفارقات، وعلى هذه المفارقات نشأت حركة الحياة. ويجب الإيمان بقدر الله في خلقه ؛ فهذا طويل، وذاك قصير، هذا أبيض، وذاك أسود، هذا مبصر وذلك أعمى، هذا غني، وذلك فقير، هذا صحيح، وذلك سقيم، وذلك ليكون كل نقيض فتنة للآخر.


الصفحة التالية
Icon