" فصل "
قال الثعالبى:
ومما يناسِبُ هذا المَحَلَّ ذِكْرُ شيء ممَّا ورد في فَضْلِ المُصَافَحَة، وقد أسند أبُو عُمَر في "التمهيد"، عن عبد الرحْمَنِ بْنِ الأسود، عن أَبِيهِ وعلقمة ؛ أنهما قَالاَ :"مَنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ المُصَافَحَةُ"، وروى مالكٌ في "الموطإ"، عن عطاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، قالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :" تَصَافَحُوا ؛ يَذْهَبُ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا ؛ تَحَابُّوا، وَتَذْهَب الشَّحْنَاءُ "، قال أبو عُمَر في "التمهيد" : هذا الحديثُ يتَّصلُ مِنْ وجوه شتى حِسَانٍ كلُّها، ثم أسند أبو عُمَر من طريقِ أبي دَاوُد وغَيْره، عن البَرَاءِ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :" مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيَتَصَافَحَانِ إلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّفَا "، ثم أسند أبو عُمَرَ عن البَرَاء بنِ عَازِبٍ، قال :" لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ كُنْتُ لأحْسِبُ أَنَّ المُصَافَحَةَ لِلْعَجَمِ فَقَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِالمُصَافَحَةِ مِنْهُمْ ؛ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مَوَدَّةً بَيْنَهُمَا، ونَصِيحَةً، إلاَّ أُلْقِيَتْ ذُنُوبُهُمَا بَيْنَهُمَا "، وأسند أبو عُمَرَ عن عمر بْنِ الخَطَّابِ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :" إذَا التقى المُسْلِمَانِ، فَتَصَافَحَا، أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيهِمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ؛ تِسْعُونَ مِنْهَا لِلَّذِي بَدَأَ بِالمُصَافَحَةِ، وَعَشَرَةٌ لِلَّذِي صُوفِحَ، وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمَا بِشْراً بِصَاحِبِهِ " انتهى.
وقد ذكرنا طَرَفاً مِنْ آدَابِ المُصَافحة فِي غَيْرِ هذا الموضعِ، فَقِفْ عليه، واعمل به، تَرْشَدْ، فإنَّ العلْم إنما يرادُ للعَمَل، وباللَّه التوفيق. أ هـ ﴿الجواهر الحسان حـ ١ صـ ﴾