وأما فتح الثانية فعلى أن يجعله بدلاً من الأولى كقوله ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وعظاما أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ﴾ [ المؤمنون : ٨٥ ] وقوله ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ [ الحج : ٤ ] وقوله ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [ التوبة : ٦٣ ] قال أبو علي الفارسي : من فتح الأولى فقد جعلها بدلاً من الرحمة، وأما التي بعد الفاء فعلى أنه أضمر له خبراً تقديره، فله أنه غفور رحيم، أي فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون "أن" خبره كأنه قيل : فأمره أنه غفور رحيم.
وأما من كسرهما جميعاً فلأنه لما قال ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة﴾ فقد تم هذا الكلام، ثم ابتدأ وقال ﴿أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فدخلت الفاء جواباً للجزاء، وكسرت إن لأنها دخلت على مبتدأ وخبر كأنك قلت فهو غفور رحيم.
إلا أن الكلام بأن أوكد هذا قول الزجاج.
وقرأ نافع الأولى بالفتح والثانية بالكسر، لأنه أبدل الأولى من الرحمة، واستأنف ما بعد الفاء. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥﴾
فائدة
قال الفخر :
قوله :﴿مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ﴾
قال الحسن : كل من عمل معصية فهو جاهل، ثم اختلفوا فقيل : إنه جاهل بمقدار ما فاته من الثواب وما استحقه من العقاب، وقيل : إنه وإن علم أن عاقبة ذلك الفعل مذمومة، إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل، ومن آثر القليل على الكثير قيل في العرف إنه جاهل.
وحاصل الكلام أنه وإن لم يكن جاهلاً إلا أنه لما فعل ما يليق بالجهال أطلق عليه لفظ الجاهل، وقيل نزلت هذه الآية في عمر حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما اقترحوه، ولم يعلم بأنها مفسدة ونظير هذه الآية قوله :﴿إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السوء بجهالة﴾ [ النساء : ١٧ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥ ـ ٦﴾
فائدة
قال الفخر :
قوله ﴿تَابَ﴾ إشارة إلى الندم على الماضي وقوله ﴿وَأَصْلَحَ﴾ إشارة إلى كونه آتياً بالأعمال الصالحة في الزمان المستقبل.
ثم قال :﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فهو غفور بسبب إزالة العقاب، رحيم بسبب إيصال الثواب الذي هو النهاية في الرحمة. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦﴾


الصفحة التالية
Icon