وعلى تقدير التَّسْليم فلا يجُوزُ ذلك من وَجْهٍ آخر، وهو خُلُوُّ المبتدأ، أو الشرط عن خبرٍ أو جواب.
والثاني من الشيئين : خُلُوُّ المبتدأ، أو الشرط عن الخبر، أو الجواب كما تقدَّم تقريره، فإن قيل : نجعل الجواب مَحْذُوفاً - كما تقدَّم نقلهُ عن أبي شامة - قيل : هذا بعيد عن الفَهْمِ.
الخامس : أنها مرفوعة بالفاعليَّةِ، تقديره :" فاسْتَقَرَّ أنَّهُ غفورٌ رحيمٌ " أي : اسْتَقَرَّ وثبت غُفْرَانُهُ، ويجوز أن يُقدَّر في هذا الوجه جَارّاً رافعاً لهذا الفاعل عند الأخْفَشِ تقديره : فعليه أنه غفورٌ، لأنه يرفع به وإن لم يعتمد، وقد تقدَّم تحقيقه مِرَاراً.
وأمَّا القراءة الثانية : فكسر الأولى من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها مُسْتَأنَفَةٌ، وأن الكلام تامُّ قبلها، وجيء بها وبما بعدها كالتَّفْسير لقوله :" كتبَ ربُّكُم على نَفْسهِ الرَّحْمَةَ ".
والثاني : أنَّها كُسِرت بعد قَوْلٍ مُقدَّرٍ، أي : قال الله ذلك، وهذا في المعنى كالذي قبله.
والثالث : أنه أجري " كتب " مُجْرَى " قال "، فَكُسِرَتْ بعده كما تُكْسَرُ بعد القَوْلِ الصريح، وهذا لا يَتَمَشَّى على أصول البصريين.
وأمَّا كَسْرُ الثانية فمن وجهين :
أحدهما : أنها على الاسْتِئْنَافِ بمعنى أنها في صَدْرِ جملةٍ وقعتْ خبراً لـ " من " الموصُولةِ، أو جواباً لها إن كانت شرطاً.
والثاني : أنها عُطِفَتْ على الأولى، وتكريرٌ لها، ويعترض على هذا بأنه يَلْزَمُ بقاءُ المبتدأ بلا خبرٍ، والشرط بلا جزاءٍ، كما تقدَّم ذلك في المفتُوحَتَيْنِ.
وأجاب أبو البقاء عن ذلك بأن خبر " من " محذوف دلَّ عليه الكلامُ، وقد تقدَّم أنه كان ينبغي أن يكون العائدُ مَحْذُوفاً، أي : فإنه غفورٌ له.


الصفحة التالية
Icon